آداب تعلم القرآن وتعليمه

2 2400

مما لا شك فيه أن القرآن الكريم هو أفضل ما يتعلم، وأفضل ما يعلم، ومصداق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري.

وكان صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على تعليم صحابته القرآن، وتعاهدهم على تلاوته والعمل به، فقد جاء عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم القرآن. ونقل عن ابن مسعود أنه أقرأ رجلا، فقال له حين أخطأ: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان من أمره صلى الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل القراء إلى كل بلد يعلمون أهله كتاب الله، فأرسل مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته، وبعث معاذ بن جبل إلى مكة بعد فتحها. وعلى هذا الدرب سار السلف الصالح من بعد، فاهتموا بتعلم كتاب ربهم وتعليمه، فأقاموا المساجد والمدارس تحقيقا لهذا الغرض.

وإلى جانب اهتمام سلف هذه الأمة وخلفها بأمر قرآنها تعلما وتعليما، فقد أولو كذلك عناية خاصة بآداب تعلم القرآن وتعليمه، فقرروا في ذلك جمله من الآداب نقف على أهمها فيما يأتي:

آداب المتعلم

لا بد لمتعلم القرآن أن يخلص النية لله أولا، لينال عمله القبول عند الله سبحانه. والنية قد يتساهل فيها مع الناشئة في بداية أمرهم، لكن لابد من التنبيه عليها ومراعاة تصحيحها عند من بلغ رشده، وأصبح مكلفا شرعا.

ولا بد لمتعلم القرآن أن يأخذ القرآن عمن تأهل وظهر دينه، وكان أهلا للتلقي عنه، كما قال بعض أهل العلم: "العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".

ومن الآداب ألا يرفع المتعلم صوته بلا حاجة عند معلمه، ولا يضحك، أو يكثر من الكلام الذي ليس فيه مصلحة شرعية، ولا يعبث بيده، ولا يلتفت إلا لحاجة، بل يتوجه بوجهه إليه.

ولا يقرأ على الشيخ حال ملله، وعليه أن يحتمل جفوته وسوء خلقه. وليحرص على الإتيان إليه مبكرا؛ ليحصل له الخير والبركة.

وعلى متعلم القرآن كذلك أن يكون متواضعا لمعلمه ومتأدبا مع إخوانه، فلا ينظر إلى معلمه إلا بعين الاحترام، ولا يعامل إخوانه إلا بما فيه رفق وأدب، فإن في ذلك عون له على الانتفاع بما يتعلمه.

قال علي رضي الله عنه: "من حق المعلم عليك أن تسلم على الناس عامة، وتخصه دونهم بتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينك، ولا تقولن: قال فلان خلاف ما تقول، ولا تغتابن عنده أحدا".

ومن آداب متعلم القرآن تجنب الأسباب الشاغلة عن تعلم كتاب الله، كالانشغال بما لا يسمن ولا يغني من جوع، كالجلوس أمام الرائي "التلفاز" وتضييع الأوقات لمتابعة المسلسلات الفارغة، وأنواع الرياضات الشاغلة، وما شابه ذلك من أمور لا يليق بالمؤمن أن يشغل نفسه بها، ويضيع أوقاته لأجلها.

آداب المعلم

أول الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها معلم القرآن أن يبتغي بعمله مرضاة الله، فيخلص لله في عمله، فلا يعلم القرآن لأجل مغنم دنيوي أو مكسب معنوي، بل عليه أن يكون زاهدا بما في أيدي الناس، عفيف النفس، واسع الخلق، طلق الوجه، صابرا ومحتسبا أجره عند الله، مستحضرا قوله تعالى: {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} (الشعراء:109).

وليحذر كل الحذر من الحسد والرياء والعجب بالنفس واحتقار الغير، بل عليه أن يكون ناصحا مرشدا رفيقا بمن يعلمه، معتنيا بمصالحه، وأن يحب له ما يحبه لنفسه وولده. ولا ينبغي للمعلم أن يكون عنيفا أو متساهلا في تعليمه، بل مقتصدا في أمره، خشية أن ينفر من هو بين يديه، وخاصة إذا كانوا ناشئة في العلم، وفي الحديث المتفق على صحته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) وفي رواية لمسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه).

وعليه أن يصبر على من بطأ فهمه، وأن يعذر من قل أدبه أحيانا. وأن يأخذ طلبته بإعادة محفوظاتهم، ويثني على من ظهر تفوقه وإقدامه، ويعنف من قصر تعنيفا لطيفا، ويقدم في القراءة السابق فالسابق، إلا إن كان ثمة مصلحة فيقدم اللاحق. وعليه أن يتفقد أحوال طلبته، ويسأل عن غائبهم.

وعلى معلم القرآن أن يكون قدوة للمتعلم في سلوكه كله، من احترام للوقت، والعدل بين المتعلمين، فلا يفضل أحدا على أحد، إلا لمصلحة تتطلب ذلك، ولا يخاطب أحدا بعينه ويعرض عن غيره، بل يكون عدلا في كل ذلك حتى في نظراته، فهو يعلم كلام الله، فليراع أمر الله القائل في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} (النساء:135) وعليه أن يصون يديه حال الإقراء عن العبث، وعينيه عن النظر فيما لا حاجة له إليه. وليرع الأمانة التي حملها، وهي أمانة هذا الكتاب، وليتحل بأوصاف أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، ففي ذلك كله فلاح له إن شاء الله.

وجملة القول هنا إن أهل القرآن وحملته إذا أرادوا أن يكونوا أهلا لهذا الوصف الذي وصفهم به رسول الله، فعليهم أن يتحلوا بآداب القرآن، وآداب حملة القرآن، لينالوا عز الدنيا وعز الآخرة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة