داء الرياء

3 1384

 دلت أدلة الكتاب والسنة من الآيات والأخبار على تحريم الرياء وذم فاعله قال تعالى : (فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون )
[ الماعون : 4-6] ويقول الله عز وجل : (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهف:110] .
 وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشر الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم : ( اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء ) .
رأى أبو أمامه الباهلى رجلا في المسجد يبكى في سجوده فقال : أنت أنت لو كان هذا في بيتك .

بيان حقيقة الرياء وجوامع ما يراءى له :
 الرياء مشتق من الرؤية ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم خصال الخير ، والمراد به كثير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس وهي : للبدن والزي والقول والعمل ولاتباع والأشياء الخارجة .
فأما الرياء في الدين بالبدن فبإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة .
وأما الرياء بالهيئة والزي فمثل تشعيث الشعر ، وإطراق الرأس في المشي ، والهدوء في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه ، كل ذلك يراءى به .
وأما الرياء بالقول فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لإظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس .
وأما الرياء في العمل فكمراءاة المصلى بطول القيام وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات .
وأما المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما لمن العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا .

بيان المراءى لأجله :
 اعلم أن للمرائي مقصودا لا محالة وإنما يرائي لإدراك حال أو جاه أو غرض من الأعراض ، وله درجات أحدها أن يكون مقصوده التمكن من معصيته كالذي يرائي بعبادته ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالأمانة فيولى منصبا أو يسلم إليه تفرقة مال ليستأثر بما قدر عليه منه ، وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى ، لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلما إلى معصيته ثانيها أن يكون غرضه نيل حظ
 من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح كالذي يظهر العلم والعبادة ليرغب في تزويجه أو إعطائه ؛ فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا ولكنه دون الأول .
الثالث : أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو نكاح ، ولكنه يظهر عبادته خوفا من أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد ويعتقد أنه من جملة العامة .

بيان الرياء الخفي :
          الرياء جلى وخفي : فالجلي هو الذي يبعث على العمل يحمل عليه ولو قصد الثواب وهو أجلاه ، وأخفى منه قليلا الذي لا يحمل على العمل بمجردة إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه ، ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاععاته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يقابلوه بالبشاشة والتوفير ، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يثنوا عليه ، ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ، ولم يزل المخلصون خائفين من الرياء الخفي يجتهدون في إخفاء طاعاتهم أعظم مما يحرص الناس عل إخفاء فواحشهم ، كل ذلك رجاء أن يخلص أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله يوم القيامة بإخلاصهم إذ علموا أنه لا يقبل يوم القيامة إلا الخالص ، وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة .

دواء الرياء وطريق معالجة القلب منه:
 عرفت أن الرياء محبط للأعمال ، وسبب للمقت عند الكبير المتعال ، وأنه من كبائر المهلكات ، وما هذا وصفه فجدير التشمير عن ساق الجد في إزالته و علاجه ، وها هنا مقامان:.
أحدهما: قطع عروقه وأصوله وهي حب لذة المحمدة والفرار من ألم الذم والطمع فيما أيدي الناس ، فهذه الثلاثة هي التي تحرك المرائى إلى الرياء وعلاجه أن يعلم مضرة الرياء وما يفوته صلاح قلبه وما يحرك عليه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله تعالى ، وما يتعرض له من العقاب والمقت الشديد والخزي الظاهر ، كما فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين الهم ف الدنيا بما يفوته في الآخر وبما يحبط عليه من ثواب الأعمال فإنه يسهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن العسل لذيد ولكنه إذا بان له أن فيه سما أعرض عنه .
المقام الثاني : دفع العارض منه أثناء العبادة وذلك لابد أيضا من تعلمه فإنه من جاهد نفسه بقطع مغارس الرياء وقطع واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فقد لا يتركه الشيطان في أثناء العبادة بل يعارضه بخطرات الرياء فإذا خطر له معرفة إطلاع الخلق دفع ذلك بأن قال لنفسه مالك وللخلق علموا أو لم يعلموا والله عالم بحالك فأى فائدة في علم غيره ، فإذا هاجت الرغبة إلى لذة الحمد ذكر ما رسخ في قلبه آفة الرياء وتعرضه للمقت الإلهي والخسران الأخرى .

بيان الخطأ في ترك الطاعات خوفا من الرياء :
 من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به ، وذلك غلط ومواقفه للشيطان وجر إلى البطالة وترك للخير ، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء ، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين .
قال الفضل بن عياض : العمل من أجل الناس شرك ، وترك العمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
وقال غيره : من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة