- اسم الكاتب:هذه أخلاقنا
- التصنيف:محاسن الأخلاق
معنى الثبات :
نعني بالثبات الاسمرار في طريق الهداية ، والالتزام بمقتضيات هذا الطريق ، والمداومة على الخير ، والسعي الدائم للاستزادة ، ومهما فتر المرء ، فهنالك مستوى معين لا يقبل التنازل عنه أو التقصير فيه ، وإن زلت قدمه فلا يلبث أن يتوب ، وربما كان بعد التوبة خيرا مما كان قبلها ، ذلك هو حال المتصف بخلق الثبات .
حماس البدايات :
كثيرا ما نجد شبابـا يحنون إلى البدايات التي كانوا يتفجرون فيها حيوية ، ويتدفقون حماسـا ، ويبالغون في الحرص على دقائق السنن ، ناهيك عن البعد عن دائرة الحرام والشبهات ، ثم ماذا ؟ كلت النفوس ، وفترت الهمم ، واكتفى بعض الشباب بأن يكونوا من عامة المسلمين ، وهذا أحسن حالا ممن انقلبوا على أعقابهم ؛ فغدوا يعادون الدعوة ويسخرون من أهلها ، ويحذرون من سبيلها ، إنها معركة تقرير المصير بين الارتداد على الأعقاب والثبات .
من صور الثبات :
1- الثبات أمام الأعداء :
وللثبات صور تشمل عددا من جوانب حياة المسلم منها : الثبات في المعركة كما ثبت الربيون الكثير من أنبيائهم ، وكان قولهم : (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا)(آل عمرا/147) ، والفئة الصابرة بإمرة طالوت الذين قال الله فيهم : (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا)(البقرة/250) ، وفي ذلك توجيه للمؤمن أن يلتجئ إلى الله طالبـا منه التثبيت .
وخوطب أبناء هذه الأمة بأمر الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا)(الأنفال/45) .
ومن الكبائر في ديننا الفرار من الزحف ؛ ولذلك كان من الوصايا العشر التي أوصى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل : ((وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس ، وإذا أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت))(رواه أحمد) ؛ لأن الثبات يزيد المؤمنين قوة ، ويوقع في نفوس العدو رهبة ، وتزعزع المواقف يخذل الصديق ويشمت العدو ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمق هذا المعنى يوم الأحزاب وهو ينقل التراب وقد وارى التراب بطنه وهو يقول : ((لولا أنت ما اهتدينا ، ولا تصدقنا ولا صلينا ، فأنزل السكينة علينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا ، إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا))(رواه البخاري) .
2- طلب الثبات من الله تعالى :
ولأن مسألة الثبات على الدين قضية تشغل فكر المسلم فإنه يكثر من الدعاء بها ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قول : ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)(رواه أحمد) .
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشى على نفسه في مواجهة الجاهلية أن يداهن أو يلين ، ولذلك خاطبه ربنا عز وجل بفضله عليه بأن أخلص ولاءه لله : (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات)(الإسراء/74 ، 75) .
3- المتذبذب يفتن الناس :
وقد حذر حذيفة العلماء العباد لأنهم قدوة : " يا معشر القراء استقيموا ، فإن أخذتم يمينـا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا "(رواه البخاري) .
ولو أن ضلالة المتذبذب يمينـا وشمالا يقتصر عليه لهان الأمر ، ولكن يفتن بضلاله آخرون .
وقد كان من وسائل أهل الكتاب في زعزعة صفوف المسلمين أن يتظاهروا بالدخول في الإسلام ، ثم يرتدون ليرتد معهم آخرون ، (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) (آل عمران/72) ، فالسعيد من وفقه الله تعالى للثبات ، وختم له بخير ومات وهو يعمل عمل أهل الجنة إلى أن يرزقه الله التثبيت حين يسأل .
ولو تأملت في أحاديث الحوض من صحيح مسلم لوجدت أناسـا منعوا منه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فيدعو عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحقـا ، سحقا لمن غير بعدي)) ، وفي رواية أخرى : يقال له : ((والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) فكان ابن أبي مليكة - أحد رواة هذا الحديث - يقول : " اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا " ، وكلمة " ما برحوا يرجعون " توحي بالتراجع البطيء المتواصل المؤدي إلى الهاوية ، وربما يصعب الرجوع بعد طول الاستدارج ، فهنيئـا لمن استدرك نفسه لئلا تزل قدمه بعد ثبوتها .
كما نجد كثيرا من الأدعية تركز على معنى الثبات ، ومن ذلك دعاء عبد الله بن مسعود : " اللهم إني أسألك إيمانـا لا يرتد ، ونعيمـا لا ينفد "(رواه أحمد) .
وقال شداد بن أوس : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد "(رواه أحمد) .
4- الثبات في أيام الفتن :
ومن صور الثبات في الفتن : الصبر في أيام الصبر التي وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الصبر فيهن مثل القبض على الجمر))(رواه أبي داود والترمذي) ، وفي رواية : ((يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه ، كالقابض على الجمر))(رواه الترمذي) ، ومن ذا الذي يثبت قابضـا على الجمر؟! لذلك بشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الثابت من هؤلاء له أجر خمسين من الصحابة : ((إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم))(سلسلة الأحاديث الصحيحة) .
وفي أشد ما يلقاه المسلمون من الفتن حين يخرج الدجال ويعيث يمينـا وشمالا ، فإن الوصية الأساسية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي يوصي بها أمته حينئذ ك ((يا عباد الله . اثبتوا))(رواه ابن ماجة) .
5- المداومة على الطاعات :
ومن أهم صور الثبات المداومة على الطاعات ، فالمطلوب في بعضها المثابرة عليها ، يروي الترمذي : ((من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتـا في الجنة))(الجامع الصحيح) .
وفي رواية مسلم تقول أم حبيبة راوية الحديث ، ويقول كل من عمرو بن أوس والنعمان بن ثابت - من رجال السند - : ((ما تركتهن منذ سمعتهن))(رواه مسلم) .
وتقول عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه))(رواه مسلم) .
وعند مسلم كذلك : ((وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته))(رواه مسلم) .
وحين سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أحب إلى الله؟ قال : (( أدومه وإن قل))(رواه مسلم) .
وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملا أثبتوه .
يقول النووي : أي لازموه وداوموا عليه .
الثبات مظهر الاستقامة :
والثبات مظهر بارز للاستقامة ؛ لأن المذبذب المتقلب لا يقدر على الثبات ، ولا يقوى على الاستقامة ، فقد كان الواحد من الصحابة يقول : يا رسول الله حدثني بعمل أستقيم عليه وأعمله ، فأجبه بأوجب الواجبات وقتها : ((عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها))(رواه ؟؟) .
وكان من دقيق ملاحظة الصحابة لظاهرة الثبات في سلوك كل فرد أن بريدة بن الحصيب لقى سلمة بن الأكوع قادمـا من البادية فظن أنه قطع هجرته إلى المدينة ، وأقام خارجها فقال له : " ارتددت عن هجرتك يا سلمة ؟! فقال سلمة: معاذ الله إني في إذن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(رواه أحمد).
ومن الملعونين على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((المرتد أعرابيـا بعد هجرته))(انظر صحيح الجامع حديث 5) .
هذه صورة الجيل الفريد كيف يحرص على الثبات ويتواصى به ، ويخشى الانقلاب على الأعقاب ، وإلى عام (حجة الوداع) والرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو للصحابة بالثبات على هجرتهم إلى المدينة لتقوى بهم الدولة الناشئة : ((اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم))(رواه البخاري) .
الإسلام إيمان وثبات :
والقول الجامع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيان حقيقة الإسلام : إيمان وثبات : ((قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال : قل آمنت بالله ثم استقم).