حقيقة الإعلام الإسرائيلي

0 811
  • اسم الكاتب: إسلام ويب

  • التصنيف:الإعلام

صدر مؤخرا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، كتاب "الصحافة والإعلام في إسرائيل: بين تعددية البنية المؤسساتية وهيمنة الخطاب القومي" للدكتور أمل جمال، ويقع في 258 صفحة. وينشر قدس نت عرض هذا الكتاب بتصرف من قبل إدارة مركز مدار .

قضية الإعلام في إسرائيل من القضايا الحساسة التي يهتم بها الإسرائيليون كثيرا، خاصة وأنها قضية تمس ديمقراطية الدولة والأمن في آن واحد، إضافة إلى التحولات الديناميكية التي تعصف بالإعلام الإسرائيلي نحو الخصخصة المطلقة التي تبحث عن النجومية في إطار الفهم القومي والأمني الذي تقتضيه القوانين المسيطرة.

يكشف الدكتور أمل جمال أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب من خلال كتابه هذا حقيقة الإعلام الإسرائيلي وعمقه التاريخي والاجتماعي والسياسي والأمني، من خلال دراسة علمية متأنية يعرض عبر فصولها الأربعة العلاقة بين الإعلام ونظريات الواقع الاجتماعي والسياسي، مرورا بالصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إضافة إلى الحديث عن دور المؤسسة العسكرية والأمنية ومدى ضوابطها ورقابتها على وسائل الإعلام في إسرائيل.

يتعرض الكتاب بالشرح والتحليل إلى التعددية في الإنتاج والبث التلفزيوني، موضحا النماذج الاجتماعية والثقافية المتنوعة التي تبثها شاشات التلفزيونات الإسرائيلية وتبدو بعيدة كل البعد عن المخيلة الجماعية التي حاول الأب الروحي والفعلي لدولة إسرائيل دافيد بن غوريون بناء عمادها خلال فترة هيمنته على السياسة الإسرائيلية منذ سنوات الثلاثينات وحتى الستينات من القرن العشرين.

ويعكس هذا التحول سقوط نماذج فرن الصهر الثقافي في الدولة العبرية وتصاعد هيمنة رأس المال الذي يرى في الإعلام مصدر ربح يمكنه من استغلال الدمج بين الأيديولوجية القومية التعبوية من جهة، وبين الثقافة الترفيهية من جهة أخرى، من أجل تعميق تحكمه في آليات سوق الاستهلاك الإعلامي وضمان الانصياع السياسي في الوقت نفسه.

ويشير الكاتب جمال في كتابه إلى أن الإعلام الإسرائيلي تعددي، حيث تنتشر المؤسسات الإعلامية الكثيرة وتنشر وتبث ما يحلو لكل مشاهد تقريبا ومن وجهات نظر مختلفة، لكنه في نفس الوقت يؤكد أن الإعلام الإسرائيلي وخاصة بعد تطوره في السنوات الأخيرة يبقى أسيرا لسيطرة قوتين اجتماعيتين أساسيتين، هما نخبة أصحاب رؤوس الأموال، والنخبة السياسية والأمنية التي تسيطر على المؤسسات الرسمية.
وهاتان هما القوتان القائمتان على سن القوانين المتحكمة في الإعلام، والمسيطرتان على تعريف الفضاء الوجودي للمجموع اليهودي في إسرائيل

الإعلام والحركة الصهيونية
يرى الباحث أن التشهير والدعاية كانا من أهم الآليات والأدوات التي استعملتها الحركة الصهيونية ثم دولة إسرائيل لاحقا، من أجل تحقيق أهدافها ومواجهة المعركة القائمة بين إسرائيل والعالم العربي، وخاصة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

ويشير الكاتب إلى أنه في بدايات القرن العشرين عملت الحركة الصهيونية على أن تحظى بود الصحف الكبرى في بريطانيا وفرنسا ولاحقا في الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكن من أهم أهداف الحركة الصهيونية وضع القضية اليهودية على أجندة الدول المهيمنة آنذاك فقط، وإنما كان همها الأكبر تأطيرها الإعلامي بالشكل الذي يدعم موقفها.

ولهذا يكشف الباحث أن من أهم الصياغات التي كان لها دور مهم جدا في تهيئة الرأي العام العالمي من خلال الإعلام الصهيوني آنذاك، تأطير القضية اليهودية بشكل يدعم نجاحها.
وتمثل ذلك في الترويج لمقولة الفيلسوف الصهيوني يسرائيل زنجفيل القائلة بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهذا التأطير البسيط لقضية الشعب اليهودي ولإعطائه الحق على أرض فلسطين هو المثل الأوضح لإبراز أهمية نظرية التأطير الإعلامي كنظرية مرافقة لنظرية إسرائيل في السنوات الأخيرة من أجل فحص مدى تأثير الإعلام على تحديد الأجندة الجماهيرية للمجتمع الإسرائيلي.

ويعرض الكاتب لمحاولات ودور الحركة الصهيونية ومن بعد ذلك إسرائيل في استخدام الإعلام لمصالحها على جميع المستويات حيث كان الوسيلة الأبرز بصحفه العبرية قبل إقامة الدولة، حيث لعبت دورا مهما في التحدث باسم الحركة الصهيونية كما فعلت صحيفة "دافار" منذ تأسيسها عام 1925، إضافة إلى سعي الحركة الصهيونية لتأسيس صحف باللغة العربية منذ سنوات العشرينات للوصول إلى القراء العرب في فلسطين وخارجها.

وقد عمل الكثير من السياسيين الصهاينة على اختراق الصحف العربية في العالم العربي من أجل استعراض وجهة النظر الصهيونية للقارئ العربي، كما قاموا بجهد مميز مثل له الكاتب بما قام به إسحاق إبشتين، فقد كان أحد أبرز أعضاء اللجنة القومية اليهودية المطالبين بضرورة طرح وجهة النظر الصهيونية باللغة العربية للرأي العام العربي والعالمي ولهذا كشف عن الحاجة الملحة لإقامة صحيفة صهيونية ناطقة باللغة العربية.

وبناء على ذلك قامت النقابة العامة للعمال اليهود في فلسطين (الهستدروت) بإصدار صحيفة أسبوعية صهيونية باللغة العربية بعنوان "حقيقة الأمر" في شهر مارس/آذار 1937 وكان يحررها ميخائيل أساف مراسل الشؤون العربية في صحيفة "دافار".

تأثيرات الصحافة الإسرائيلية
يشير الكاتب إلى ثقل الصحافة اليومية ودورها في توجيه الرأي العام، حيث صدر العديد من الصحف باللغة العبرية والإنجليزية والروسية والعربية، منها اليومية والأسبوعية والشهرية، مضيفا أن الرواج الواسع نسبيا للصحافة العبرية ولمعظم الصحف المكتوبة يثبت المستوى العالي من الاستهلاك الإعلامي الذي يميز المجتمع الإسرائيلي.

وبحسب استطلاع لمركز هرتسوغ للإعلام والمجتمع والسياسة فإن 40% من الإسرائيليين يقرؤون صحيفة يومية بشكل يومي، و15% فقط لا يقرؤون صحيفة بتاتا، مما يدلل على أن فئة واسعة من المجتمع الإسرائيلي تقرأ الصحف اليومية.
وأشار الاستطلاع الذي استدل به الكاتب إلى أن 65% من الإسرائيليين يشاهدون الأخبار في التلفزيون بشكل يومي و40% يستمعون الأخبار في الإذاعة عدة مرات في اليوم، كما تعرض الكتاب إلى دراسة تفصيلية حول حيثيات الصحف التي تصدر في إسرائيل، موضحا أن الصحافة في إسرائيل والاهتمام بها بدأ قبل قيام الدولة، أما بعد قيام الدولة فقد صدرت 13 صحيفة يومية، غالبيتها حزبية والبعض الآخر تجاري وربحي.

وقد صدرت صحيفة "هآرتس" عام 1919، فيما صدرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 1939 وصدرت صحيفة "دافار" عام 1925، وصحيفة "معاريف" عام 1948، وتعددت الصحف الحزبية حيث صدرت صحيفة "حازيت هعام" أي جبهة الشعب التابعة لحركة حيروت، كما صدرت صحيفة "هيردين" وكذلك صحيفة "همشكيف" وصحيفة "هيوم" التي كانت نواة لحزب الليكود.

وأصدر حزب المفدال (حزب المتدينين الوطنيين) صحيفة "هتسوفيه" التي تصدر حتى اليوم، أما حزب مبام (حزب العمال الموحد) فقد أصدر صحيفة "عل همشمار" التي أقفلت في مارس/آذار 1995، فيما أصدرت الحركة الشيوعية الإسرائيلية صحيفة "كول هعام".

تراجع الصحافة الحزبية
ويكشف الكاتب عن تراجع الصحافة الحزبية وإغلاق العديد منها، فيما يسيطر على الصحافة كبار رجال المال والأعمال، حيث سيطرت صحف يديعوت أحرونوت ومعاريف وهآرتس على الشارع الإعلامي في إسرائيل، وبلغ التنافس بينها أوجه وهي مملوكة لعدد من العائلات الكبيرة في إسرائيل.

وقد أشار الكاتب إلى أن الدخل السنوي لصحيفة يديعوت أحرونوت التي تملكها عائلة موزس بلغ 200 مليون دولار فيما يبلغ رأس مالها ما بين 400 و500 مليون دولار وتصدر مؤسسة يديعوت أحرونوت 17 صحيفة محلية و6 مجلات دورية ودارا للنشر وهي شريك في القناة الثانية الإسرائيلية.

أما صحيفة معاريف فيبلغ دخلها السنوي 95 مليون دولار فيما يبلغ رأس مالها 200 مليون دولار وتملكها عائلة نمرودي، حيث يصدر عنها عدد من الصحف المحلية والمجلات الدورية.

أما صحيفة هآرتس فتملكها عائلة شوكن وهي صحيفة ليبرالية ديمقراطية محافظة، تشرف على 14 صحيفة محلية ويبلغ دخلها السنوي 96 مليون دولار ومع أنها تبنت خطابا ليبراليا يدعم موقف السلام فإنها صحيفة صهيونية تتبنى في معظم الأوقات الخط الرسمي الذي يصدر عن الجيش.

الإعلام المرسل
بدأ بث إذاعة صوت إسرائيل يوم 13 مارس/آذار 1940 حيث كان البث باللغة العبرية كما وثق ذلك الباحث في كتابه، فيما بدأ بث إذاعة الجيش الإسرائيلي عام 1950 كي تخدم جهاز الأمن وجنود الجيش الإسرائيلي، وتمتد جذورها التاريخية إلى فترة الانتداب البريطاني، فقد بدأ الإرسال من أجل خدمة "الهاغاناه" بواسطة شيفرة خاصة وقد استهل إرسال محطة "غالي تساهل" بكلمة من وزير الدفاع آنذاك دافيد بن غوريون، ويشير الكاتب إلى أن محطتي صوت إسرائيل وغالي تساهل حكوميتان.

في يوليو/تموز 1967 تم تكوين طاقم من المختصين لتحضير برنامج لإنشاء تلفزيون حكومي إسرائيلي حيث كانت مراحل إنشائية عصيبة، ارتبطت مباشرة بالصراعات السياسية بين الأقطاب المختلفة في الحزب الحاكم مباي، حيث حاول قطب بن غوريون من جهته وقطب ليفي إشكول ويسرائيل جليلي من جهة أخرى التأثير على إقامة التلفزيون وتحديد مساره وانتمائه المؤسسي.
وسرعان ما صار بث التلفزيون الحكومي بمثابة النار التي تتحلق حولها القبيلة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي واستمرت القناة الأولى مصدر المعلومات الأساسي والوحيد للمشاهد الإسرائيلي حتى تم إنشاء القناة الثانية بداية التسعينات وهي قناة خاصة.

وحول القوانين التي تحكم الإعلام الإسرائيلي أشار الكتاب إلى قانون صدر في الثامن من مارس/آذار 1965 أطلق عليه "قانون سلطة البث" يعطي المحطات والإذاعات الرسمية خصوصية واستقلالية مهنية لكن ضمن إطار توجيهات سلطة الإذاعة التي يتكون مجلسها العام من 31 عضوا يعين رئيس الدولة 30 منهم بتوصية من الحكومة فيما تعين الوكالة اليهودية عضوا واحدا.
ويتولى الإشراف المباشر على إدارة سلطة الإذاعة لجنة إدارية مؤلفة من 7 أعضاء يتم اختيارهم من المجلس العام.

الإعلام الإسرائيلي والرقابة الأمنية
يكشف الكاتب عن اتفاقية مبرمة بين محرري الصحف اليومية وممثلي الجيش تم الاتفاق عليها يوم 20 مايو/أيار 1949 حيث قررت لجنة المحررين الأمنية إلزام الصحف بما يلي:
- منع نشر معلومات أمنية قد تساعد العدو أو تضر بالدولة.
- الرقابة لا تشمل المعلومات السياسية أو الآراء أو التوقيعات إلا إذا كانت تمس بالأمن أو مستقبله.
- الرقابة مبنية على التعاون بين الجيش والصحافة.
- دائرة الرقابة تعد مسبقا قائمة بالمواد الممنوع نشرها.

ورغم أن دولة إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي تعتبر نفسها دولة ديمقراطية رسميا، فإنه يوجد فيها جهاز رقابة من قبل الجيش يعمل على مدار الساعة من خلال القانون لمراقبة جميع المنشورات والتصريحات المطبوعة وحتى التصريحات العسكرية.
ــــــــــــــــ
ناهض منصور عن (قدس برس)

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة