الشهامة تورث الذكر الجميل

0 958

إن الناس معادن، وإن اختلاف الطباع آية من آيات الله في خلقه، فترى من الناس من حسن خلقه وكرمت عليه نفسه، فهو ذكي متوقد يتحمل الصعاب، يقوم بما كلف به، بل يتطوع بأداء الأمور الجسام، ومع هذا لا تراه إلا حمولا صبورا طيب النفس بما حمل ذا عقل راجح وفكر ثاقب ورأي نافذ ، وهذا هو الشهم.

 إن وجود هذه الصفة في المرء ينبئ عن علو همته وإباء نفسه وشرفها، وإذا شرفت النفس كانت للآداب طالبة، وفي الفضائل راغبة، وأما علو الهمة فإنه باعث على التقدم، أنفة من خمول الضعة، واستنكارا لمهانة النقص.

ولا يكون شهما ذا نجدة وسؤدد إلا من سهلت عليه المشاق، وهانت عليه الصعاب رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذ حذرا من الذم؛ ولذلك قيل: سيد القوم أشقاهم.

وقال أبو تمام الطائي:
والحمد شهد لا يرى مشتاره .. ... .. يجنيه إلا من نقيع الحنظل
غل لحامله ويحسبــه الذي .. ... .. لم يوه عاتقه خفيف المحمل

وللمتنبي في هذا:
لولا المشقة ساد الناس كلهم .. ... .. الجود يفقر والإقدام قتال

النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهوم:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من اتصف بهذه الصفة الكريمة، فهاهو أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا. وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرا". ( البخاري ومسلم)

وعند الشدائد كان يظهر من صنوف الشجاعة والشهامة ما لا يخطر على بال؛ ففي حنين حين كانت الجولة للمشركين وقد تكاثروا عليه صلى الله عليه وسلم نزل من على بغلته وجعل يقاتلهم وهو يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب". قال البراء رضي الله عنه: فما رئي من الناس يومئذ أشد منه".

وفي أحد حين فر كثير من المسلمين بعد أن أشيع أنه صلى الله عليه وسلم قد قتل والمشركون يستهدفونه ليقضوا عليه، برز للناس ونادى: "أنا رسول الله" برغم ما في هذا النداء من لفت أنظار المشركين إليه لكنها الشجاعة والشهامة في أبهى صورها.

ونبي الله موسى عليه السلام:
ونرى في نبي الله موسى عليه السلام مثالا كريما للنجدة والشهامة؛ حيث خرج من بلده وتوجه إلى مدين في حالة كرب وتعب شديد، لكن ورد ماء مدين: {وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص:23، 24].

السلف يتربون على الشهامة:
لقد ربى الإسلام أهله على مكارم الأخلاق فكانوا قمما سامقة ، وضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية والشهامة ،ومن هذه الامثلة الرائعة ما ورد عن حذيفة العدوي قال: "انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي، ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، ومسحت به وجهه، فإذا أنا به فقلت: أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم، فإذا رجل يقول: آه. فأشار ابن عمي إلي أن انطلق به إليه. فجئته فإذا هو هشام بن العاص. فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام انطلق به إليه. فجئته، فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين".

ومن الأمثلة التي تحتذى في الشهامة ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في سنته عن رجل من بني إسرائيل حملته شهامته على الفعل الجميل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا. فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه. ثم زجج موضعها (سواه وأصلحه)، ثم أتى بها إلى البحر. فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده. فخرج الرجل الذي أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال. فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، فقال: والله مازلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشدا".

وأخيرا أيها الحبيب هل تذكر سبب فتح عمورية؟ إنه رباط الأخوة الإسلامية مع النجدة والشهامة التي ملأت نفوس المسلمين في ذلك الزمان حين استنجدت بهم امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم في عمورية فأجابتها أرواح المسلمين وسيوفهم وفتحوا عمورية وجاءها الخليفة المعتصم قائلا:لبيك أيتها المنادية. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة