- اسم الكاتب:د/سعيد عبد العظيم
- التصنيف:محاسن الأخلاق
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وجعل ذلك من صفات نبيه صلى الله عليه وسلم المذكورة في الكتب السابقة، قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157].
الأصل في الأشياء الإباحة
الأصل في الأشياء الإباحة، أما المحرمات إنما هي أشياء مستثناة، قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} [المائدة: 2].
فالحلال الطيب هو الأصل، قال تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: 168]، وقال: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب} [المائدة: 4]، وقال أيضا: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} [المائدة: 5]، وطعام الذين أوتوا الكتاب هي ذبائحهم باتفاق المفسرين إذا ذبحوا بمحدد في منحر جاز لنا أن نأكل منها.
لا تحرموا الطيبات
قد يترك الإنسان ما يشتبه ويختلط عليه تورعا، والورع من الدين، ولكن لا يسعه تحريم الطيبات بمقتضى ذلك على عموم الخلق. قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32]. وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [المائدة: 87]. وقال: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} [النحل: 116].
إن تحريم الطيبات كاللحم والسمك والخضروات والفاكهة لا يقل في خطورته عن تحليل الحرام كالخمر والزنى والقمار.. بل قد يزيد، إذ تحريم الحلال قرين الشرك، ففي الحديث القدسي: "إني خلقت عبادي حنفاء وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا".
فإذا ثبت حصول المضرة، فالضرر يزال، والضرورة تقدر بقدرها، ولا يجوز المغالاة في تحريم الطيبات بتحاليل معملية أو فحوصات مجهرية، فالنجاسة تعرف بلون أو طعم أو رائحة.
شريعة ترفع الحرج وتبيح الطيبات
إن من سمات هذه الشريعة المطهرة رفع الحرج والأصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، ومن صور ذلك إباحة الطيبات.
وقد وردت النصوص والآثار تدل على ذلك، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسبه من طيب" [رواه ابن ماجه]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب، إلا أخذها الله بيمينه، فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو قلوصه، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم" [رواه البخاري ومسلم]. وعن المقدام بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة". [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51]، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟". [رواه مسلم].
أفضل الكسب ما كان من عمل اليد
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه". [رواه أبوداود وابن ماجه]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الكسب العامل إذا نصح". [رواه أحمد]. وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس أعطي أم منع". [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به ويستغني به من الناس، خير له من أن يسأل رجلا، أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" [رواه البخاري ومسلم].
وعن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" [رواه البخاري]. وقال أبو عبد الله الباجي الزاهد: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله عز وجل ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة، وأكل الحلال". وقال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله - تعالى - طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله - تعالى - أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.." قال: المراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح.
قال ابن كثير عند قوله تعالى: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} [البقرة: 168]، أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبا، أي مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول". وقال عند قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما} [البقرة: 172]، "والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة".
وقال الحسن البصري عند قوله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} [المؤمنون: 51]، قال: "أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم، ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه". وقال سعيد بن جبير والضحاك {كلوا من الطيبات} يعني الحلال. وقال عمرو بن شرحبيل: "كان عيسى بن مريم يأكل من غزل أمه".
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال يوما: "إني أكلت حمصا وعدسا فنفخني" فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إن الله يقول في كتابه: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} فقال عمر: "هيهات ذهبت به إلى غير مذهبه، إنما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطعام".
فلماذا نتخطى دائرة الحلال والمباح الواسعة إلى دائرة الحرام الضيقة، والتي من شأنها أن تمحق البركات وتدمر البلاد والعباد ، إن تعاطي الحلال وأكل الطيبات طريق موصل إلى محبة الله وجنته وسبب لإجابة الدعاء وحصول البركة في العمر والنماء في المال كما أنه عنوان السعادة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة، يورث حلاوة المقال والفعال والبركة في الذرية وصلاح الحال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.