الحقوق الواجبة للميت

0 1551
  • اسم الكاتب:الشيخ / سيد سابق رحمه الله

  • التصنيف:المقالات

غسل الميت وتكفين
الواجب في غسل الميت أن يعم بدنه بالماء مرة واحدة -ولو كان جنبا أو حائضا- والمستحب في ذلك أن يوضع الميت فوق مكان مرتفع ، ويجرد من ثيابه ، ويوضع عليه ساتر يستر عورته ما لم يكن صبيا ، ولا يحضر عند غسله إلا من تدعو الحاجة إلى حضوره.
وينبغي أن يكون الغاسل ثقة أمينا صالحا ، لينشر ما يراه من الخير، ويستر ما يظهر له من الشر. فعند ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ ليغسل موتاكم المأمونون ] .
وتجب النية عليه ، لأنه هو المخاطب بالغسل .
ثم يبدأ فيعصر بطن الميت عصرا رفيقا، لإخراج ما عسى أن يكون بها ، ويزيل ما على بدنه من نجاسة ، على أن يلف على يده خرقة يمسح بها عورته ، فإن لمس العورة حرام .
ثم يوضئه وضوء الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ] [ رواه البخاري ] ولتجديد سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل .
ثم يغسله ثلاثا بالماء والصابون، أو الماء القراح مبتدئا باليمين ، فإن رأى الزيادة على الثلاث بعدم حصول الإنقاء بها -أو لشيء آخر- غسله خمسا ، أو سبعا ففي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ اغسلنها وترا : ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ] .
قال ابن المنذر : إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار.
فإذا كان الميت امرأة ندب نقض شعرها ، وغسل ، وأعيد تضفيره ، وأرسل خلفها ، ففي حديث أم عطية : أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون. قلت: نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون ؟ قالت : نعم .
وعند مسلم : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون : قرنيها وناصيتها . وفي صحيح ابن حبان الأمر بتضفيرها من قوله صلى الله عليه وسلم : [ واجعلن لها ثلاثة قرون ] .
فإذا فرغ من غسل الميت جفف بدنه بثوب نظيف لئلا تبتل أكفانه ، ووضع عليه الطيب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا أجمرتم الميت فأوتروا ] . [ رواه البيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه ].
وقال أبو وائل : كان عند علي رضي الله عنه مسك ، فأوصى أن يحنط به ، وقال : هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجمهور العلماء على كراهة تقليم أظفار الميت ، وأخذ شيء من شعر شاربه ، أو إبطه أو عانته ، وجوز ذلك ابن حزم .
واتفقوا فيما إذا خرج من بطنه حدث بعد الغسل ، وقبل التكفين ، على أنه يجب غسل ما أصابه من نجاسة .
واختلفوا في إعادة طهارته فقيل : لا يجب . وقيل : يجب الوضوء ، وقيل : يجب إعادة الغسل .
والأصل الذي بنى عليه العلماء أكثر اجتهادهم في كيفية الغسل ما رواه الجماعة عن أم عطية رضي الله عنها ، قالت : "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال : [ اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا، أو أكثر من ذلك - إن رأيتن - بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني ] فلما فرغنا آذناه ، فأعطانا حقوه فقال : [ أشعرنها إياه ] . يعني إزاره .
وحكمة وضع الكافور ما ذكره العلــماء من كونه طيب الرائحة ، وذلك وقت تحضر فيه الملائكة ، وفيه أيضا تبريد ، وقوة نفوذ ، وخاصة في تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه ، ومنع إسراع الفساد إليه ، وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها.
التيمم للميت عند العجز عن الماء
إن عدم الماء يمم الميت ، لقوله تعالى : ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] .
وكذلك لو كان الجسم بحيث لو غسل لتهرى.
وكذلك المرأة تموت بين الرجال الأجانب عنها، والرجل يموت بين النساءالأجنبيات عنه . روى أبو داود في مراسيــله ، والبيهقي ، عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا ماتت المرأة مع الرجال ، ليس معهم امرأة غيرها ، والرجل مع النساء ليس معهن رجل غيره فإنهما ييممان ويدفنان وهما بمنزلة من لم يجد الماء] .
وييمم المرأة ذو رحم محرم منها بيده ، فإن لم يوجد يممها أجنبي بخرقة يلفها على يده، هذا مذهب أبي حنيفة وأحمد .
وعند مالك والشافعي : إن كان بين الرجال ذو رحم محرم منها غسلها، لأنها كالرجل بالنسبة إليه في العورة والخلوة. قال في المروي عن الإمام مالك :
إنه سمع أهل العلم يقولون : إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها ، ولا زوج يلي ذلك يممت ، يمسح بوجهها وكفيها من الصعيد.
قال : وإذا هلك الرجل ، وليس معه أحد إلا نساء يممنه أيضا.
غسل أحد الزوجين
اتفق الفقهاء على جواز غسل المرأة زوجها ؛ قالت عائشة : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ، [ رواه أحمد وأبو داود ].
واختلفوا في جواز غسل الزوج امرأته فأجازه الجمهور لما روى الدارقطني والبيهقي من غسل علي فاطمة رضي الله عنها ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : [ لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك ] . [ رواه ابن ماجه] .
غسل المرأة الصبي
قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة تغسل الصبي الصغير.
الكفن
1) حكمه :
تكفين الميت بما يستره - ولو كان ثوبا واحدا - فرض كفاية . روى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر.
2) ما يستحب فيه :
يستحب في الكفن ما يأتي:
1- أن يكون حسنا ، نظيفا ، ساترا للبدن ، لما رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ] .
2- وأن يكون أبيض ، لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي -وصححه- عن ابن عباس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ البسوا من ثيابكم البيض ؛ فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم ] .
3- وأن يجمر ، ويبخر، ويطيب ، لما رواه أحمد والحاكم وصححه عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا ] .
وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس رضي الله عنه : أن تجمر أكفانهم بالعود
4- أن يكون ثلاث لفائف للرجل ، وخمس لفائف للمرأة ، لما رواه الجماعة عن عائشة، قالت : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد ، ليس فيها قميص ولا عمامة .
قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، قال : وقال سفيان الثوري : يكفن الرجل في ثلاثة أثواب إن شئت في قميص ولفافتين ، وإن شئت في ثلاث لفائف.
ويجزئ ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين ، والثوبان يجزيان ، والثلاثة لمن وجد أحب إليهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق .
قالوا : وتكفن المرأة في خمسة أبواب .          فعن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزارا ، ودرعا ، وخمارا وثوبين.
وقال ابن المنذر : أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب.
3) تكفين المحرم :
إذا مات المحرم غسل كما يغسل غيره ممن ليس محرما وكفن في ثياب إحرامه ، ولا يغطى رأسه ولا يطيب لبقاء حكم الإحرام ، لما رواه الجماعة عن ابن عباس قال : بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفه إذ وقع عن راحلته فوقصته - أي رفسته فمات من شدة الرفسة - فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : [ اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة ملبيا .       
وذهبت الحنفية والمالكية إلى أن المحرم إذا مات انقطع إحرامه ، وبانقطاع إحرامه يكفن كالحلال ، فيخاط كفنه ويغطى رأسه ويطيب ، وقالوا : إن قصة هذا الرجل واقعة عين لا عموم لها فتختص به ، ولكن التعليل بأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ظاهر أن هذا عام في كل محرم ، والأصل أن ما ثبت لأحد الأفراد من الأحكام يثبت لغيره ، ما لم يقم دليل على التخصيص .
4) كراهة المغالاة في الكفن:
ينبغي أن يكون الكفن حسنا دون مغالاة في ثمنه ، أو أن يتكلف الإنسان في ذلك ما ليس من عادته .
قال الشافعي : إن عليا كرم الله وجهه قال : لا تغال لي في كفن ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا ] . رواه أبو داود وفي إسناده أبو مالك ، وفيه مقال .
وعن حذيفة قال : لا تغالوا في الكفن ، اشتروا لي ثوبين نقيين.
وقال أبو بكر رضي الله عنه : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها.
قالت عائشة : إن هذا خلق - أي قديم بال - ، قال : إن الحي أولى بالجديد من الميت ، إنما هو للمهلة.
5) الكفن من الحرير :
لا يحل للرجل أن يكفن في الحرير ويحل للمرأة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرير والذهب : [ إنهما حرام على ذكور أمتي حل لإناثها ] .
وكره كثير من أهل العلم للمرأة أن تكفن في الحرير لما فيه من السرف ، وإضاعة المال ، والمغالاة المنهي عنها ، وفرقوا بين كونه زينة لها في حياتها ، وكونه كفنا لها بعد موتها .
قال أحمد : لا يعجبني أن تكفن المرأة في شيء من الحرير .وكره ذلك الحسن وابن المبارك وإسحاق. قال ابن المنذر : ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم.
6) الكفن من رأس المال:
إذا مات الميت وترك مالا ، فتكفينه من ماله ، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته ، فإن لم يكن له من ينفق عليه ، فكفنه من بيت مال المسلمين ، وإلا فعلى المسلمين أنفسهم.
والمرأة مثل الرجل في ذلك.
 كيفية الصلاة على الميت
أولا : حديث فضل الصلاة على الجنازة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :    [ من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان " قيل وما القيراطا ن ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين ] رواه البخاري ومسلم.
ثانيا : الصلاة على الميت :
أ - أوضاع الجنائز ( جثة الميت ) .
1- يكون رأسها محاذيا يمين الإمام وهو مستقبل القبلة .
2- يقف الإمام محاذيا لرأس الرجل ، ومحاذيا لوسط المرأة ، فإذا كان هناك أكثر من ميت - رجل وامرأة وطفل وطفلة مثلا - يكون وضعهم كالآتي :
الرجل أولا ، ثم الطفل محاذيا للرجل ، ثم المرأة ويكون وسطها محاذيا لرأس الرجل ثم الطفلة تكون محاذية للمرأة فيقف الإمام محاذيا لرأس الرجل .
    ب - الصلاة على الميت أربع تكبيرات يرفع يديه مع كل تكبيرة ، بعد التكبيرة الأولى يتعوذ من الشيطان ، ثم يبسمل ثم يقرأ الفاتحة ، أما بعد التكبيرة الثانية فيصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما في التشهد الأخير من الصلاة المكتوبة ، وبعد التكبيرة الثالثة الدعاء العام والخاص.
فالدعاء العام كأن يقول : اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا ، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.
والدعاء الخاص كأن يقول : "اللهم أنت ربها ، وأنت خلقتها ، وأنت هديتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها ، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها وقد جئناك ، شفعاء له فاغفر لها".
أو أن يقو ل : "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
ثم يكبر الرابعة وبعدها يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتـنا بعده واغفر لنا وله ثم يسلم مرة واحدة على اليمين .
وإذا كانت امرأة فيؤنث الدعاء.
ويجمع الدعاء إذا كانوا أمواتا .
وإذا كان طفلا فيدعى لوالديه بعد الدعاء العام ، وصفته : "اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا ، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم"
والدعاء للميت ليس مقصورا على الأدعية السابقة وإنما يدعو الإنسان بما يفتح الله عليه من الدعاء.
ومن فاتته بعض الصلاة على الجنازة فيدخل مع الإمام فيما بقي ثم إذا سلم الإمام قضى ما فاته على صفته.
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار : والحديث يدل على أن المشروع في كفن المرأة أن يكون إزارا ودرعا وخمارا وملحفة ودرجا . نيل الأوطار (4/42).
3- ما يصنع بشعر رأس المرأة الميتة : يجعل ثلاث ضفائر ، وتلقى خلفها لحديث أم عطية في صفة غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم: ( فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها) متفق عليه.
الإحداد على الميت
يجوز للمرأة أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ؛ ما لم يمنعها زوجها .
ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك ، إلا إذا كان الميت زوجها ، فيجب عليها أن تحد عليه مدة العدة ، وهي أربعة أشهر وعشر ، لما رواه البخاري ومسلم عن أم عطية ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ؛ فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ، ولا تمس طيبا ، ولا تختضب ، ولا تمتشط إلا إذا طهرت ، تمس نبذة من قسط ، أو أظفار ] ( نوعان من الطيب ).
والإحداد ترك ما تتزين به المرأة من الحلي والكحل والحرير والطيب والخضاب وإنما وجب على الزوجة ذلك مدة العدة ، من أجل الوفاء للزوج ، ومراعاة لحقه.
استحباب صنع الطعام لأهل الميت
عن عبد الله بن جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ اصنعوا لآل جعفر طعاما ؛ فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم ] رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح.
واستحب الشارع هذا العمل ، لأنه من البر ، والتقرب إلى الأهل والجيران .
قال الشافعي : ( وأحب لقرابة الميت أن يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم ، فإنه سنة وفعل أهل الخير ).
واستحب العلماء الإلحاح عليهم ليأكلوا، لئلا يضعفوا بتركه ؛ استحياء أو لفرط جزع.
وقالوا : لا يجوز اتخاذ الطعام للنساء إذا كن ينحن لأنه إعانة لهن على معصية.
واتفق الأئمة على كراهة صنع أهل الميت طعاما للناس يجتمعون عليه ، لأن في ذلك زيادة المصيبة عليهم ، وشغلا لهم إلى شغلهم ، وتشبها بصنع أهل الجاهلية لحديث جرير قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة وذهب بعض العلماء إلى التحريم .
قال ابن قدامة : فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة ، ويبيت عندهم ، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه .
التعزية
العزاء : الصبر . والتعزية التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته .
حكمها :
التعزية مستحبة ولو كان ذميا ، لما رواه ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن عمرو ابن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة ] ، وهي لا تستحب إلا مرة واحدة .
وينبغي أن تكون التعزية لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء، سواء أكان ذلك قبل الدفن أم بعده ، إلى ثلاثة أيام ، إلا إذا كان المعزي أو المعزى غائبا ، فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث .
ألفاظها :
والتعزية تؤدى بأي لفظ يخفف المصيبة ويحمل على الصبر والسلوان ، فإن اقتصر على اللفظ الوارد كان أفضل .
روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما . قال :
أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه : إن ابنا لي قبض فأتنا . فأرسل يقرئ السلام ويقول : [ إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ، ولتحتسب ] .
وروى الشافعي في مسنده أنه : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا وإياه فارجو ، فإن المصاب من حرم الثواب .
قال العلماء : فإن عزى مسلما بمسلم قال : أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ، وغفر لميتك .
وإن عزى مسلما بكافر قال : أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك .
وإن عزى كافرا بمسلم قال : أحسن الله عزاءك وغفر لميتك .
وإن عزى كافرا بكافر قال : أخلف الله عليك .
وأما جواب التعزية فيؤمن المعزى ويقول للمعزي : آجرك الله .
وعند أحمد أنه إن شاء صافح المعزي وإن شاء لم يصافح ، وإذا رأى الرجل شق ثوبه على المصيبة عزاه ولا يترك حقا لباطل ، وإن نهاه فحسن.
الجلوس لها
السنة أن يعزى أهل الميت وأقاربه ثم ينصرف كل في حوائجه دون أن يجلس أحد سواء أكان معزى أو معزيا ، وهذا هو هدي السلف الصالح .
قال الشافعي في الأم : أكره المأتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء ، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر.
قال النووي : قال الشافعي وأصحابه رحمهم الله : يكره الجلوس للتعزية . قالوا : ويعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية ؛ بل ينبغني أن ينصرفوا في حوائجهم ، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها . وهذه كراهة تنــزيه إذا لم يكن معها محدث آخر ، فإن ضم اليها أمر آخر من البدع المحرمة - كما هو الغالب منها في العادة - كان ذلك حراما من قبائح المحرمات ، فإنه . محدث وثبت في الحديث الصحيح [ أن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ] .
وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأي ، وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس في غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية ، من غير ارتكاب محظور .
وما يفعله بعض الناس اليوم من الاجتماع للتعزية ، وإقامة السرادقات ، وفرش البسط ، وصرف الأموال الطائلة من أجل المباهاة والمفاخرة من الأمور المحدثة والبدع المنكرة التي يجب على المسلمين اجتنابها ، ويحرم عليهم فعلها ، لا سيما وأنه يقع فيها كثير مما يخالف هدي الكتاب ويناقض تعاليم السنة ، ويسير وفق عادات الجاهلية كالتغني بالقرآن وعدم التزام آداب التلاوة وترك الإنصات والتشاغل عنه ولم يقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل تجاوزه عند كثير من ذوي الأهواء فلم يكتفوا بالأيام الأول : جعلوا يوم الأربعين يوم تجدد لهذه المنكرات وإعادة لهذه البدع . وجعلوا ذكرى أولى بمناسبة مرور عام على الوفاة وذكرى ثانية ، وهكذا مما لا يتفق مع عقل ولا نقل.
&nbs

مواد ذات صلة