مسؤولية التربية (1)

2 1184

الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ؛ خلق فسوى ، وقدر فهدى .
وإنما المقصود ألا يضعف الوالدان أمام الواجب وألا يستسلما للعاطفة أمام المصلحة الكبرى .
فماذا تنتظر من طفل تمنع الشفقة أباه أن يرد له خوفا من صراخه فينطبع في نفسه أن الصراخ والبكاء هما الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد . ولذا نجد كثيرا من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لا يجدون في والديهم إلا الإفراط في التدليل والشفقة ، أو في الإهمال واللامبالاة ؛ ففرخ ذلك الميوعة والضعف والإنهزامية واللامبالاة .
إن تعويد الطفل على ضبط رغباته ، والتحكم في شهواته منذ صغره ، وتكلف المشقة التي يحتملها في التعود على بعض العبادات قبل بلوغه التكليف قد جاء الشرع به ؛ فهو يؤمر بالصلاة لسبع ، ويضرب عليها لعشر ، كما يؤمر بالصوم حتى يتعوده عند بلوغه .
يقول ابن القيم - رحمه الله - في المودود بأحكام المولود " :
(وينبغي لوليه أن يجنبه .. الكسل والبطالة والدعة والراحة ، بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ، ومغبة ندم ، وللجد والتعب عواقب حميدة ، إما في الدنيا وإما في العقبى ، وإما فيهما ؛ فأروح الناس أتعب الناس ، وأتعب الناس أروح الناس ، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى ، لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب .
تصورات مغلوطة :
* يخطىء من يظن أن حسن التربية يقتصر على الطعام الطيب ، والشراب الهنيى والكسوة الفخمة ، والدراسة المتفوقة ، ولا يبالون بالتربية على الخلق الكريم والتدين الصادق .
* ويخطىء من الآباء من يتوهم أن المدرسة هي المكلفة بحمل هذه المسؤولية وحدها بعد أن وضعهم في مدرسة - ولو كانت مدرسة تقوم بهذا العبء وتقدره -
* ويخطىء كذلك من يعتقد أن مرحلة الطفولة ليست ذات تأثير كبير في الإنسان ، وتكونيه النفسي .
يا معشر الآباء والأمهات .. انتبهوا ...
إننا لا نجد تعبيرا عن أهمية وخطورة التربية المنزلية في المراحل الأولى أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] .
فمن أهم المهمات أن يغتنم الأبوان مرحلة الصغر التي يكون الطفل فيها سهلاا سلسا لينا مطيعا ، ليجنيا ثمرة ذلك في ولد صالح ، يأخذ بأيدهما إلى الجنة حين ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث :
[ علم ينتفع به ، أو صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ] .
قال الغزالي - رحمه الله : -
" والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما ينقش ، ومائل لكل ما يمال إليه ، فإن عود الخبر وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل معلم له ومؤدب " .
* إن الطفل يستطيع أن يميز بدءا من الخامسة من عمره ، بل وقبل ذلك ، وهو في هذه السن وحتى يبلغ الحلم يكون أطوع ما يكون ، فإذا ضيعت هذه الفرصة وتركت هذه الصفحة البيضاء اسودت بفعل المؤثرات السلبية المحيطة ، وأصبح القلب الأبيض أسود منكوسا عنيدا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ، وحينئذ يستيقظ الأبوان فزعين :
ماذا جرى ؟! .. من هذا الشيطان ؟! .. أين ذهب القلب البرىء ؟! ..
وماذا نفعل ؟! .. كيف نقومه ؟!
ولكن هيهات هيهات فقد شب عن الطوق ، وخرج من دف المهد ، ويبس منه العظم والرأس ، وصدق فيه قول من قال :
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
                  ولن تلين إذا قومتها الخشب
ومن قال :
إن الغلام مطيع من يؤدبه
                  ولا يطيعك ذو سن بتأديب
هل التربية هي التدليل ؟
مركب النقص في الشخصية سببه أحد أمرين : الإفراط في التدليل ، أو الإفراط في الإذلال والكبت ؛ أما التدليل فلأن الطفل كثير الخطأ ، محتاج إلى ضبط سلوكه بصفة مستمرة ، تكون في كثير من الأحيان على خلاف مزاجه ، كما ان رغبات الطفل لا حدود لها ولا بد من فطامه عن السيء منها كما يفطم عن ثدي أمه حين يكون أحب شيء إليه .
إنك بالواقع والتجربة تجد الطفل المدلل الذي يجابه الحياة حين يصير رجلاا ، إن كان سعيد الحظ ، واسع الرزق ، أعفته المسؤوليات ومواجهة المشكلات ، وإن اضطرته أقداره إلى الصراع من أجل حياته فإنه قلما يكون ناجحا موفقا معتمدا على نفسه .
ولا أدل على ذلك من المشهد المتكرر حينما يولد طفل جديد على الطفل الذي كان متربعا على عرش الأمومة وحده ، نجده يتعرض لصدمة نفسية إن لم يكن قد أعد إعدادا حكيما لمثل هذا الموقف الصعب ، وإلا فسرعان ما يكظم في نفسه انفعال الاستياء ، ويعمد إلى التبول في الفراش والتأتاة ، وغيرؤ ذلك من أعراض الكبت الناجم عن المذلة النفسية التي قدرت له .
كما يخطىء من يظن أن القسوة الشديدة هي مقصود التربية ؛ فيتجرد الأبوان من الشفقة والحنان - وليس ذلك ممكنا أصلا عند الأسوياء - فإن البهيمة ترفع رجلها عن ولدها خشية أن تصيبه وإنما يرحم الله من عباده الرحماء

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة