تربية الأطفال بالملاطفة

0 1686

ربما بالغت المدارس التربوية الغربية في إطلاق الحرية للطفل ؛ بحيث ينطلق ويلعب ويمرح ومعن مربوه ، حتى يحس بالتعلق بالمدرسة ، وتكون العودة إليا في اليوم التالي شيئا محببا إلى نفسه ، لأنها تجلب له كل ما يسر ، وتجنبه كل ما يكدر ، وتوفر له كل ما يرغب ... وبالمقابل ربما كانت المدرسة على الطفل في بلاد المسلمين عبئا يوميا وهما ملازما وحزنا متجددا ، وخاصة إذا كان قدر الطفل أن يكون بيد مرب ضعيف الصبر أو كاره لمهنته أو لا يطيق التعامل مع الصغار ، أو حريص على هيبته ووقاره أكثر من حرصه على توفير الجو النفسي المريح للطفل .

إن الطفل لا يتعلم وهو خائف ، ولا يتربى وهو حزين ، إنه حين يشعر بالأمن ويتفاعل مع أجواء المرح المفعم بالتوجيه ، ويعامل بالملاطفة التي لا تفسد النظام ، يكون على أكبر درجة من الاستعداد بقلب مفتوح وذهن حاضر وأذن واعية .

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصفه أصحابه بأنه (من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ) فلا تعارض بين تحصيل محبةالطفل وبين ضمان ضبط سلوكه .
جاء في أخبار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في بيته مستقليا على ظهره وأولاده يقفزون على بطنه ، وزاره عامل له فرأى ملاعبته لأولاده ، فتعجب مما رأى واستنكر أن يكون حال الرجل في أهله هكذا . فقال له عمر : كيف أنت مع أهلك ؟
قال العامل : إذا دخلت سكت الناطق - أي يهدأ الجميع هيبة وخوفا من عقابه فأمر عمر بعزله عن العمل الذي ولي عليه ، وقال له اعتزل فإنك لا ترفق بأهلك وولدك ، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية أن الرجل ، قال : كيف تفعل هذا وأنت أمير المؤمنين ؟ فقال عمر : ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ، فإذا كان في القوم كان رجلا . وفي هذا ورد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان له صبي فلتصابى له ] أي فلينزل إلى مستواه كأنه مثله .

ويمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلام يبكي على عصفور له مات . فيحاول أنيذهب حزنه بأن يمسح رأسه ويلاطفه قائلا له : يا أبا عمير ! ما فعل النغير (أي العصفور) .
ويشب الحسن صلى الله عليه وسلم ، وما زال يذكر من أيام طفولته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب ماء باردا - ذات مرة - فملأ فمه ثم مج مجة في وجه الحسن (رشه من فمه ) يلاعبه ويؤانسه ولم تمنعه هيبته ووقاره من النزول إلى مستوى طفل لإدخال السرور إلى قلبه .

ووردت أخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمد لسانه للحسن ويضحك . ويركب الحسن والحسين على ظهره .. وهو ساجد فيطيل السجود لئلا يعكر أنسه ...
 ويروي المسعودي عن عادات نساء العرب ! (وكان من عادة العربية ألا تنوم ولدها وهو يبكي ، خوف أن يسري الهم في جسه ، ويدب في عروقه ، ولكنها كانت تنازعه وتضاحكه حتى ينام وهو فرح مسرور ، فينمو جسده ويصفو لونه ودمه ، ويشف عقله ...).

كما كانت المرأة العربية تنشد لأطفالها أناشيد قصيرة يتمايلون معها ، مما سمي فيما بعد بـ (شعر ترقيص الأطفال) ، ومنه هذه الأبيات التي تقولها امرأة لطفلتها تبين من خلالها أنها فرحة بأن رزقها الله بنتا وليست ساخطة لذلك :
وما علي أن تكون جارية
             تكنس بيتني وتردد العارية
تمشط رأسي وتكون الفالية
             وترفع الساقط من خماريه
حتى إذا ما بلغت ثمانية
             رديتها ببردة يمانية
زوجتها مروان أو معاوية
             أزواج صدق بمهور غالية
   

قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة وهي حديثة السن ويدعها تسبقه ويجدها مع صويحبات لها يلعبن بلعب من القطن والصوف ، فيضحك لهذا ويسائلها ما هذا ؟ فتقول فرس سليمان فيضحك ، ويرفعها لتطل على ساحة المسجد ، وترى الحبش وهم يلعبون بالحراب ، فلا يتضجر ويدعها حتى تعلن بنفسها أنها قد اكتفت ، وكاتن يمر بالصبيان في الطريق فيسلم عليهم . فما بال أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يغفلون هذه الملاطفة مع بنيهم وتلاميذهم وهو قدوتهم صلى الله عليه وسلم .

والنشأة الصحيحة السلمية للأبناء تحتاج إلى المؤانسة وهذا القرب ؟ فهل نتنازل عن شيء من وقار الرجولة مع مجتمع الطفولة ؟

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة