حرية المرأة في ظل الإسلام

1 1352

لقد أولى الإسلام المرأة مكانة عظيمة ، ورفع من شأنها بما تضافرت الشواهد عليه من الكتاب والسنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين ، وإن حدثت انتكاسات للمرأة في العهود المتأخرة نتيجة تحكيم العادات والتقاليد المخالفة للشريعة فإن الدين لا يتحمل أي جزء من المسؤولية كما يحاول أن يقول المغرضون .
    ونقتصر هنا على بيان حرية المرأة في ظل السلطة ، سواء السياسية أم الأسرية أو العلمية ، ونؤكد على "السلطة" لأنها - في الغالب - تحجب الحرية إما قسرا أو رهبة. 

    ففي سياق حرية المرأة في ظل سلطان الولي ( الوالد وغيره ) ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :[ استأمروا النساء في أبضاعهن ] ، قيل : فإن البكر تستحي أن تكلم ؟ قال: [ سكوتها إذنها ] . رواه أحمد والنسائي .
وهو طلب وأمر للولي باستئذان البنت في الزواج.

    وفي سياق التطبيق العملي لتلك الحرية في الاختيار ، جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول : إن أبي زوجني من ابن أخيه ؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة . فدعا رسول الله أباها ، وجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله قد أجـزت ما صنع أبي ؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء. رواه أحمد والنسائي.
فاعجب معي من قوة شخصية هذه المرأة، ورعاية الإسلام لحقها في اختيار زوجها!

والأمر لم يقتصر على الولي ، بل تعداه إلى الخليفة ، أمير المؤمنين ورئيس البلاد ، فهذه امرأة تقف بين الجموع وترد على أمير المؤمنين عمر ، حين أراد تحديد مهور النساء ، فتقول: "ليس لك هذا يا ابن الخطاب ؛ فإن الله تعالى يقول : ( وآتيـتم إحداهن قنطارا ) فهل تدري ما القنطار يا عمر؟ فقال أمير المؤمنين: "أصابت امرأة وأخطأ عمر".

وهذه خولة بنت ثعلبة تستوقف أمير المؤمنين عمر فتقول له : قف يا عمر ، فوقف لها ، ودنا منها وأصغى إليها ، وأطالت الوقوف وأغلظت له القول (أي قالت له): "هيه يا عمر! عهدتك وأنت تسمى عميرا وأنت في سوق عكاظ ترعى القيـان بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، فقال لها الجارود : قد أكثرت ، أيتها المرأة ، على أمير المؤمنين ، فقال عمر : دعها. السيرة الحلبية 2/724 .
وكذلك الأمر ، كانت المرأة تتمتع بالحرية ، حتى مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي تنصاع له كل الناس ، محبة ورغبة في إرضائه ، فتقف المرأة تراجعه وتناقشه صلى الله عليه وسلم .. وقصة خولة بنت ثعلبة معروفة ومشهورة ، وهي التي نزلت فيها سورة "المجادلة" ، تستجيب لطلبها وترعى شأنها وشأن كل من حل بها ما حل بها .

وعن ابن عباس أن مغيثا كان عبدا فقال : يا رسول الله اشفع لي إليها (يعني بريرة كانت زوجته ثم عتقت فطلبت مفارقته) ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك] فقالت: يا رسول الله أتأمرني بذلك ؟ قال "لا، إنما أنا شافع" فكان دموعه ( أي مغيث ) تسيل على خده ، فقال صلى الله عليه وسلم للعباس : ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه ؟! ] رواه أبو داو.
والعجب ليس من إصرارها على رفض زوجها ، مع شفـاعة النبي صلى الله عليه وسلم له عندها ، وإنما في إدراكها الدقيق وتمييزها بين ما هو وحي تنصاع له ، وبين ما هو بشري من تصرفات النبي ، فتملك الاختيار فيه !.

وكذلك كانت زوجاته صلى الله عليه وسلم يراجعنه القول .. فعن عمر رضي الله عنه قال : " تغضبت يوما على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني - كعادة العرب في الجاهلية - فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل!! قال : فانطلقت فدخلت على حفصة ، فقلت : أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، قال : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم . [رواه أحمد].

وحرية المرأة في ظل الإسلام تجاوزت تلك الحدود إلى درجة مناقشة الوحي ، فحين شعرت أم سلمة أن الوحي يخاطب الرجال ، هبت مسرعة إلى رسول الله تقول : يا رسول الله يذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر ؟ فنزل قول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) .
(آل عمران:195) . [رواه الحاكم في المستدرك والطبري في التفسير].

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة