- اسم الكاتب: الشيخ فاروق الرحماني (رحمه الله)
- التصنيف:تحرير .. أم تغرير
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فإن أعظم العلل وأشدها خطرا على جسد الأمة ؛ هي تلك الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات وتسقط الدول ؛ كما أن أسرع التغيرات وأجلها نفاذا إلى نخاع الأمة تلك التغيرات الاجتماعية ، خاصة في مجال المرأة . وقد قال أحد أقطاب الاستعمار: " كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع".
فهذا المعز الفاطمي ما يزال يرنو إلى فتح مصر متهيبا غزوها ، حتى بلغه استهتار نساء الأخشيد في مصر ، فتحرك لغزوها وقال : اليوم فتحت مصر ؛ اليوم لا يردنا عنها شيء .
ولأجل ذلك كانت قضية المرأة قضية خطيرة ، وما زال أعداء الأمة يستغلونها ؛ منذ قال جلاد ستون رئيس وزراء بريطانيا في عصره : " لا يمكن أن تتقدم بلاد الشرق إلا بأمرين:
الأول : أن يرفع الحجاب عن المرأة المسلمة.
الثاني : أن يغطى بالحجاب القرآن الكريم .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : [ إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ].
إنما النساء شقائق الرجال
وليس معنى ذلك أن المرأة رجس ونجس كما هي عند اليهود والنصارى وغيرهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إنما النساء شقائق الرجال ].
- شقائق في الأصل والخلقة ، شقائق في أصل التكليف ، شقائق في جزاء الآخرة.
أما دعاة المساواة الذين باعوا عرض المرأة ، وكرامتها وعفتها وأنوثتها ، وأخرجوها من بيتها موضع كرامتها لكنس الشوارع ، وحمل الأمتعة ، وقيادة سيارات الأجرة .. وغير ذلك من الأعمال الحقيرة الممتهنة ؛ بحجة أن المرأة نصف المجتمع ، فكذبوا . فإن المرأة هي المجتمع كله والأمة بأسرها ؛ لأنها تلد لنا النصف الآخر ؛ فهي أم الرجل وأخته وزوجه وابنته .
أيتها الأخت المسلمة .. انتبهي فأنت الضحية ، إنهم يخدعونك بتلك المفاهيم الخاطئة والأفكار الخبيثة تحت عناوين براقة مثل :" تحرير المرأة - مكانة المرأة - عمل المرأة - جمال المرأة " .. احذري استدراجهم ، تمسكي بالحجاب ، فإنهم كانوا لا يطلبون منك أكثر من كشف وجهك ، وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه ، غير أنهم يعلمون علم اليقين - بحكم التجارب الطويلة العديدة- أنك يوم تكشفين عن وجهك ، ويذهب ماؤه وحياؤه ستكشفين لهم عما عدا ذلك.
أيها الباكون ..
أما انتم أيها الراثون الباكون على المرأة وحقوقها ، فإنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم ، وتبكون على ما يحال بينكم وبينه من شهواتكم ، هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم ، فإن عجزتم عن الرجال ، فأنتم عن النساء أعجز .
لقد عاشت المرأة القطرية حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها ، راضية عن نفسها وعن عيشها ، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها ، أو وقفة تقفها بين يدي ربها ، أو عطفة تعطفها على ولدها ، أو جلسة تجلسها إلى جارتها ؛ تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها ، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها ، وائتمارها بأمر زوجها ، ونزولها عند رضاهما ، وكانت تفهم معنى الحب ، وتجهل معنى الغرام ، فتحب زوجها ؛ لأنه زوجها كما تحب ولدها لأنه ولدها ، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب ، فقلتم لها : إن هؤلاء الذي يستبدون بأمرك من اهلك ليسوا بأوفر منك عقلا ولا أفضل رأيا ولا أقدر على النظر لك من النظر لنفسك ، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك ، فازدرت أباها ، وتمردت على زوجها ، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرسا من الأعراس الضاحكة ، مناحة قائمة لا تهدأ نارها ، ولا يخبو أوارها .
وقلتم لها : " لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك ؛ حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك " فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها ، فلم يزد عمر سعادتها عن يوم وليلة ، ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم ، وقلتم لها : " إن الحب أساس الزواج " فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج فغنيت به عنه ، وقلتم لها : " إن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها " وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق ، فأصبحت تبغي كل يوم زوجا جديدا يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم ، فلا قديما استبقت ، ولا جديدا أفادت ، وقلتم لها : " لا بد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك ، والقيام على شؤون بيتك ، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها ، وقلتم لها " " نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا وشعورها شعورنا " فرأت أن لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم ومباهج أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون ، فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات المستهترات والضاحكات اللاعبات ، والإعجاب بهن والثناء عليهن ؛ فتخلعت واستهترت لتكسب رضاكم وتنزل عند محبتكم ، فأعرضتم عنها ونبوتم ، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة وقد أباها الرفيع وترفع عنها المحتشم .
فهل تودون أن تتحول المرأة المسلمة إلى هذه الصورة الساقطة بعد تلك الحياة العفيفة المطمئنة . نسأل الله أن يصلح أحوالنا ، وأن يستر عيوبنا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم