- اسم الكاتب:زامل الركاض
- التصنيف:المقالات
الأصل في الزواج السكينة في الأسرة واستمرار مودتها، إلا أنه يحدث أحيانا أن تنفصم عراها ، بنشوب خلافات بين الزوجين ؛ لذا شرع الله سبحانه وتعالى الطلاق كعلاج حينما تفشل كل سبل المعالجة ، وحرصا من الإسلام على أجياله فقد عنيت الشريعة الإسلامية عناية فائقة بمسألة حضانة الأولاد .
وباعتبار أن مسألة الحضانة تواجهنا كثيرا في حياتنا العملية، حيث إن كثيرا من الأسرة يجهلون أحكامها مما يجعلهم يقضون وقتا طويلا في ردهات المحاكم الشرعية للحصول على أحكام في مفرداتها، سنحاول في هذا البحث معالجة المسألة بإيجاز وبلغة بسيطة حتى تكتمل فيها الإبانة .
معنى الحضانة
عرف الفقهاء الحضانة بأنها التزام بتربية الطفل والقيام بحفظه وإصلاح شأنه في المدة التي لا يستغني فيها عن النساء ، ممن لهن حق تربيته شرعا ، وبذا تدخل ضمن ولاية التربية والحفظ والرعاية ، ولعل من ناقلة القول أن الطفل منذ ولادته يمر بعدة مراحل : المرحلة الأولى مرحلة الصغير ، وهو من لم يبلغ سن التمييز ، والمرحلة اللاحقة هي مرحلة التمييز حتى بلوغه سن الرشد ، إذن الطفل إما مميز وإما غير مميز وإما بالغ راشد ، وأحكام الحضانة تختلف تبعا لهذه الأدوار .
مراحل الحضانة
1 ـ الطفل منذ ولادته وحتى بلوغه سن التمييز ، في هذه السن تكون الحضانة للنساء مطلقا ، حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر في حاجة إلى الحنان ونوع من الرعاية لا يقدر عليها إلا النساء ، والأم مقدمة على غيرها من النساء في هذه المرحلة التي يحتاج فيها إلى عطفها وحنانها ، وبذا تكون حضانة الطفل في هذه المرحلة من العمر للأم بإجماع الفقهاء إلا إذا قام بها عارض من الأسباب التي تسقط حضانتها، أو تنازلت عن حضانتها للطفل بمحض إرادتها لمن يقوم بها من النساء ، ودليل أن الحضانة تكون في هذه السن للأم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أنت أحق ما لم تنكحي " وبذا يقرر هذا الحديث أن زواج الأم عارض يسقط حضانتها بحكم الشرع .
وقد أفتى فضيلة الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ بأن ( البنت إذا كانت صغيرة أو الطفل ذكرا وأثنى قبل سبع سنوات وطلقت أمه ، يكون حق الحضانة لها ويكون عندها إلا إذا تزوجت أجنبيا من المحرم فإن الطفل يرجع إلى أبيه ) .
وحق الأم في حضانة الطفل في هذه السن واجب عليها إلا إذا وجد من يصلح له صح تنازلها عن هذا الواجب ، وبذا قرر الفقهاء أنه إذا خالعت الأم زوجها على أن تتنازل عن حضانتها لولدها لصالحه ، صح الخلع وبطل الشرط ، وحكم أبو بكر رضي الله عنه على عمر بن الخطاب بعاصم ابنه لأمه وقال له : " ريحها وشمها ولطفها خير له منك " ، وحضانة الأم في هذه السن مقررة بالإجماع .
والقاعدة الجوهرية في الحضانة في هذه السن أن مدارها الصلاحية فتسقط حضانة الأصل عند فساده وتتنقل إلى من يليها من النساء ، ويدخل في فساد الأصل مرض الأم، أو عجزها ، أو زواجها ، أو عدم أمنها على الصغير لسوء منبت أو خلق .
وعند سقوط حضانة الأم في هذه السن لأي سبب لا تنتقل حضانة الطفل إلى الأب وإنما للنساء من جهة الأم الأقرب فالأقرب وهذا لا يمنع من اتفاق الحضانة وولي الطفل على نقل الحاضنة إليه .
2ـ المرحلة الثانية هي ما يطلق عليها سن التمييز ، أي بلوغ الطفل حدا من العمر يستقل فيه بخدمة نفسه بعض الاستقلال ، وذلك بأن يأكل وحده ويلبس وحده ، وقدر بعض الفقهاء ذلك ببلوغه السابعة من العمر بالنسبة للذكر ، أما البنت فتبدأ عندها سن التمييز ببلوغها مبلغ النساء وهي تسع سنين في رواية عند الإمام أحمد .
وحضانة الولد في سنة التمييز ، حسب الذي جرى عليه العمل ، هو تخييره بين الأب ، والأم وقد قضى بذلك بعض الخلفاء الراشدين عمر وعلي رضي الله عنهما ، وكذلك شريح القاضي ، وقد ثبت أنه جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت له : " إن زوجي يريد أن يذهب بابني : وقد سقاني من بئر أبي عنية وقد نفعني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت ، فأخذ بيد أمه فانطلقت به " وقد أجمع الصحابة على هذا الحكم ، وقد قال عمار الجرمي : " خيرني علي بين عمي وأمي وكنت ابن سبع أو ثمان " .
ومن المبادئ المستقرة فقها وقضاء في الهدى النبوي في التخيير أنه لا يكون إلا إذا حصلت به مصلحة الطفل فإذا كان الأب أصون من الأم وأخير منها قدم عليها ، ولا التفات إلى اختيار الطفل في هذه الحال لأنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب ، فإذا اختار من يمكنه من ذلك فلا التفات إلى اختياره وكان عند من هو أنفع له ، ولا تحتمل الشريعة غير هذا ، والله عز وجل يقول : (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )[التحريم:6].
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم على تركها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " فإذا كان واقع حال الصبي أنه يؤثر اللعب ومعاشرة أقران السوء والأم تمكنه من ذلك ، فالأب أحق به ولا تخيير ، و العكس كذلك .
والتخيير للصبي في هذه السن لا يثبت إلا إذا استوى الأبوان في الصلاح والاستقامة والمحافظة على مصلحة الولد ، وليس التخيير قاعدة مطلقة ، إنما المطلق هو مصلحة الصغير والتي تدورها معها الأحكام عموما من حيث العلة وكلما اختار الصبي في هذه السن أحد الأبوين صار اتباعا لما يشتهيه ، وإذا خير ولم يختر أحدهما أو اختارهما معا يتم اللجوء إلى القرعة ، وإذا كانت القرعة لصالح الأم واختار الأب مثلا ضم لأبيه وإذا مرض الوالد المميز ذكرا كان أو أنثى تمرضه أمه في بيتها حتى ولو لم تكن حاضنته .
أما حضانة البنت في هذه السن ، الرأي الغالب وجاري عليه العمل ، هو أن يكون حضانتها عند أبيها لأن الرجل أغير على البنات من النساء ، ولهذا المعنى وغيره جعل الشرع تزوجها لأبيها دون أمها ، ولم يجعل لأمها ولاية على نفسها ولا على مالها .
وقد أفتى سماحة الشيخ عبد الرحمن السعدي عليه رحمة الله عندما سئل عمن أحق بحضانة الأنثى بعد تمام سبع سنين ؟ فأجاب بأن المشهور من مذهب الإمام أحم أنها لأبيها ، والرواية الثانية لأمها بما يجب ويلزم ، فأما إذا أهمل أحدها ما يجب عليه من حضانة ولده وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر ، والذي أرى في ترجيح القولين أنه ينظر للمصلحة الراجحة ، لأن هذا الباب منظور فيه إلى مصلحة المحضون .
وقد سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عليه رحمة الله ، عن بنت تبلغ من العمر ثمان سنوات ، وقد حصل في حضانتها نزاع بين أمها المتزوجة وأخيها لأبيها ، فأيهما أحق بالحضانة ؟ فأجاب عليه رحمة الله : بأنه ما دام والدة هذه البنت متزوجة من أجنبي عنها فيسقط حقها في الحضانة ، لحديث " أنت أحق به ما لم تنكحي " فإذا لم يكن للبنت أخ أحق من أخيها المطالب بحضانتها فهو بمنزلة والدها، له حضانتها ما لم يكن هناك مانع يسقط حقه في الحضانة كأن يكون سفيها أو فاسقا أو له زوجة لا تقوم نحوها بما تحتاجه كأن تؤذيها أو تقصر في مصلحتها فللأم حضانتها عن رضي زوجها ، أما عن الجمع بين حديث" أنت أحق به ما لم تنكحي " وبين قضائه صلى الله عليه وسلم بابنة حمزة لخالتها وهي متزوجة ، فللعلماء في ذلك أقوال أقربها إلى الصحة ما ذكره ابن القيم رحمة الله ، بأن نكاحها لقريب الطفل لا يسقط حضانتها ، ونكاحها بالأجنبي يسقطها كما هو المشهور من مذهب أحمد .
فإذا بلغت الصبية حدا تصلح فيه للزواج كانت عند من هو أغير عليها ، ومن المسلم به أن في طبيعة الأب من الغيرة ، ما يحمله على بذل الجهد لحماية عرضه بكل الوسائل ، على أننا إذا قدمنا أحد الأبوين فلابد من مراعاة قدرته على صيانة وحفظ الطفل .
3 ـ في المرحلة الأخيرة تنتهي حضانة النساء بالبلوغ بالنسبة لكل من الذكر والأنثى، ثم تكون الحضانة للأب حتى يكتمل نضج الابن ويتم زواج البنت والبالغ الراشد عموما له الخيرة في الإقامة عند من يشاء من أبويه ، فإن كان ذكرا فله الانفراد بنفسه عنهما ، وإن كانت بنتا لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها من ذلك .
شروط الحضانة
ـ ألا تكون الأم متزوجة ، وذلك عند حضانة النساء وذلك بإجماع الصحابة امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أنت أحق به ما لم تنكحي " .
- أن تكون المرأة الحاضنة للصغير وارثه له أو مدلية بوارث ، أي بمعنى آخر أن تكون ذات رحم محرم على الطفل .
ـ الحرية ، وهذا الشرط من مقتضيات من يقوم بالحضانة والرعاية للصغير .
ـ البلوغ ، وهو مناط كل التكاليف فلا يستقيم فيمن لم يرشد أن يؤمن على غيره حفظا ورعاية وهو بها أولى ولها أحوج .
ـ العقل والأمانة ، والحضانة ما هي إلا ائتمان للحاضن على المحضون مما يستلزم أمانته ورشده ، قادرا على التربية والتي هي من مستلزماتها ، المقدرة تستلزم الرعاية والقيام بكافة شؤون الصغير .
ـ كما يشترط الفقهاء اتفاق الدين بين الحاضن والمحضون ، إذا كان الحاضن رجلا ، أما كان امرأة فلا يشترك ذلك فتجوز حضانتها مع اختلاف الدين حتى يعقل الأديان ، ويخشى عليه من التأثر بدينها فينزع منها .
تلك هي شروط الحضانة التي يشترط توافرها في الحاضن ، وإذا اختل منها سقطت حضانة الحاضن وانتقلت إلى من يليه في ترتيب من لهم الحق في الحضانة ، وهناك أقوال كثيرة فيما يتعلق بهذا الترتيب ، ولكن القول الأقوى دليلا هو تقديم نساء العصبة على نساء الأم ، وقد ثبت بالتجربة أن ولاء الولد تابع لأسرة أبيه ونحن نعتقد أن مدار الأمر كله مصلحة الصغير ، حيث إن الحضانة مقصود بها رعاية الصغير والقيام بشؤونه ، وهذا يفسر لنا سقوط حضانة الأم بزواجها لأن الشارع قدر انشغالها عن القيام بخدمته ولتعارض المصالح ، ومصلحة المحضون ومصلحة الزوج ، وهذا يعني عودة الحضانة لها بانتهاء علاقة الزواج .
ومصلحة الصغير في اعتقادنا مسألة وقائع تكون خاضعة لسلطة محكمة الموضوع التقديرية ، لا معقب على تقديرها إلا لسلطان التمييز ، ونحن ننصح المتقاضين دائما في مسألة الحضانة ، بحل الأمر بصورة ودية وعدم اللجوء إلى القضاء حتى نبعد الصغير عن الآثار النفسية، التي تترتب على هذا التنازع في ساحات القضاء بين من يدعون حضانته ، ولكن يظل القضاء ملجأ لمن أعيته حيلة الود ، وانسد أمامه سبيل الإصلاح