- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
إنه نداء رباني علوي للفئة المؤمنة كي تترقى في درجات العلم والعمل الصالح فتنال رضا الله تعالى وثوابه، يقول الله عز وجل: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} [آل عمران:79].
فحين تلتقي في نفس المؤمن قوة الإيمان وصلابته مع صدق العزيمة والإخلاص والسكينة والرقة والإخبات والصفاء فإن هذا العبد يتمثل في نفسه خلق الربانية.
فالربانيون قوم وصلوا إلى المقام الأعلى في العلم والتربية، ومن صفات هؤلاء الربانيين:
(1) العلم:
إنهم أقبلوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتعلمون ما فيها ويعملون به ويدعون إليه ويعلمونه الناس: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كونوا ربانيين: حلماء فقهاء، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالما معلما عاملا.
وقال الله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [محمد:19]. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، وقد بوب الإمام البخاري على ذلك بابا بعنوان: العلم قبل القول والعمل.
(2) الإخـلاص:
فالرباني لا يقصد بعلمه ولا بعمله غير وجه الله تعالى: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
وطلب العلم من جملة العبادات التي ينبغي أن يخلص فيها العبد لله، ولهذا يقول الزهري – رحمه الله تعالى -: ما عبد الله بشيء أفضل من العلم. فالعالم في طلبه للعلم وتعليم الناس إنما هو في عبادة، والعلم ميراث الأنبياء، هكذا سماه أبو هريرة رضي الله عنه، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم. وقد ورد عن الثوري – رحمه الله – أنه قال: لا أعلم بعد النبوة أفضل من العلم. والذين ينتفع الناس بعلمهم على الحقيقة هم أهل الإخلاص.
(3) الاتبـاع:
فلا يمكن أن يكون ربانيا من سلك سبيل البدعة وابتعد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
إن العلم الذي يصل بصاحبه إلى الخير والهدى هو علم الكتاب والسنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه
إن العلوم الآن – عند الناس – كثيرة؛ لهذا كان الاتباع من أهم خصائص الربانيين، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: العلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور.
(4) الاعتزاز بالعلم والاستغناء عن الناس:
فالعالم الذي أراد بعلمه وجه الله تعالى يستشعر عظم نعمة الله عليه بتوفيقه للعلم، فلا يذل نفسه أبدا ولا يشتري بعلمه ثمنا قليلا من حطام الدنيا الفاني، ولهذا كان العلماء الربانيون في واد والناس في واد آخر. إنه العلم الذي عرفوا به ربهم فعظموه ، وتمكنت خشيته من قلوبهم فهانت عليهم الدنيا. يقول ابن تيمية رحمه الله: ما يصنع بي أعدائي؟ إن سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة في سبيل الله.
ولقد كان شعار الأنبياء والمرسلين عند دعوتهم لأقوامهم: {لا أسألكم عليه أجرا}.
وما أجمل ما قاله الجرجاني رحمه الله:
يقولـون لي فيـك انقباض و إنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكـرمته عزة النفس أكرمـا
و لم أقض حق العلم إن كان كلما بـدا طمـع صيرتـه لي سلمـا
أأشقى بـه غرسا وأجنيـه ذلة ؟ إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما !
و إني إذا ما فاتنـي الأمر لم أبت أقلب كـفـي إثـره متنـدمـا
إذا قيـل هذا منهل قلت قد أرى ولكن نفـس الحر تحتمـل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لأخـدم من لاقيت لكن لأخدما
و لو أن أهل العلم صانوه صانهم و لو عظمـوه في النفوس لعظما
(5) حسن الخلق:
فالرباني يخالط الناس بالمعروف، ويعاملهم بمكارم ومحاسن الأخلاق، كيف لا وقد هذب القرآن والسنة خلقه وطبعه، وكان له في رسول الله أسوة حسنة، وهو صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم أحاسنكم أخلاقا".
إن علمه أورثه رقة وصفاء ورحمة لجميع الخلق: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران:159].
(6) تزكية النفس بالأعمال الصالحة:
إن العمل هو ثمرة العلم، فعلم بغير عمل وبال على صاحبه وحجة عليه، ولهذا يسأل العبد يوم القيامة سؤالا خاصا عن علمه ماذا صنع فيه.
ولن ينال العبد محبة الرب سبحانه فيسلك سبيل الربانيين إلا بعمل صالح يدخره عند ربه: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".
وللربانيين صفات أخرى كالحكمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى وغير ذلك من صفات الخير.
نسأل الله الكريم بمنه أن يجعلنا وإياكم من الصالحين الربانيين العلماء العاملين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.