- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:أركان الدعوة
تقديم العلم على العمل ضروري للداعية حتى يعلم ما يريد ليقصده ويصل إليه ، وما يقوم به الداعية ينسب لله رب العالمين ؛ فكان لزاما على من يدعو إلى الله أن يكون على علم وبصيرة بما يدعو إليه ، وعلى دراية بمشروعية ما يقول ويفعل ؛ حتى لا يقع في الخبط والخلط والقول على الله ورسوله بغير علم .
فالعلم لازم من لوازم الدعوة ، وأصل في تكوين الداعية ، وضابط العلم المقصود هنا هو ما قام عليه الدليل الشرعي.
وإذا كان فضل العلم مذكورا ، فكذلك الداعي إليه مكان غير منكور { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } (الجادلة :11)
وفي الحديث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ] (رواه الترمذي وأبو داود وأحمد ).
وقال الإمام أحمد : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب . لأنهم يحتاجون إليهما في اليوم مرة أو مرتين، وحاجتهم إلى العلم بعدد أنفاسهم .
مقصود الفهم الدقيق
إنما نعني بالقهم الدقيق هنا ما وراء مجرد العلم والحفظ ، ألا وهو الغاية من العلم والمقصود من وراء تعلمه ، وهو أثر العلم على صاحبه .
يقول الشيخ عبد الكريم زيدان في كتابه أصول الدعوة : ومن العلم العزيز النادر الذي يغفل عنه الكثيرون ـ مع دلالة القرآن عليه وتصريحه به والدعوة إليه ـ علم طريق الآخرة الذي يهيج القلب ويزعجه ويدفعه إلى سلوكه ، ويشعر صاحبه بغربته في الدنيا وقرب رحيله عنها إلى سفر بعيد لا يرجع بعدة إلى دنياه ولا ينفع فيه زاد إلا التقوى، ولذلك فهو دائما مشغول بإعداد هذا الزاد { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } متطلعا إلى ما هناك ، إلى مايؤول إليه أمره بعد سفره البعيد ، أيكون مصيره إلى نار جهنم ، وفي ذلك شقاؤه العظيم ، أم يكون مصيره في دار النعيم بجوار الرب الكريم ؟ إنه لهذه العاقبة المجهولة يكون دائما بين الخوف والرجاء ، ولكنه خوف العارف لا الجاهل ، ورجاء العامل لا الخامل ..
إن هذا العلم هو الذي قل وجوده بين الناس وبين طلاب العلم ، وبدونه لا يعتبر العالم عالما ، وإن حفظ الشروح والمتون والأحكام وملأ رأسه منها ورددها على لسانه ..
إن هذا العلم هو لب العلم وغايته ، وكل مسلم محتاج إليه ، والعالم أشد حاجة إليه ، والداعي أحوج من الجميع إليه..
إن هذا العلم هو الذي نسميه (الفهم الدقيق ) وهو الذي فقهه الصاحبة الكرام ، وأشربت به عقولهم وقلوبهم فضنوا بوقتهم أن يذهب سدى في غير طاعة الله والدعوة إليه ، فنشطت جوارحهم في العبادة والجهاد في سبيل الله والدعوة إليه حتى أتاهم من ربهم اليقين .
تدبر القرآن والسنن
يقوم الفهم الدقيق على تدبر معاني القرآن ومداومة النظر فيها ،والوقوف عندها والتغلغل في مراميها ومقاصدها ، فإن القرآن الكريم لهذا أنزل { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب }( ص:29) .
وبهذا التدبر سيقف الداعي على دعوة الرحمن وعاقبتها ، ودعوة الشيطان ومآل أهلها ، وهذه المعرفة تميز للداعي بين الحق والباطل ، وتجعل له فرقانا وتضيء له نورا يفرق به بين الهدى والضلال والغي والرشاد ، فينشرح صدره ، ويبتهج قلبه ، ويتعلق بالآخرة الباقية ، ويعزف عن الدنيا الفانية ، ويصير له شأن وللناس شأن آخر .
وإنما يتأتي هذا الفهم ويتم مقصوده إذا عرف المرء غايته في الحياة وعمل بهذه المعرفة .
فمهمة العبد في هذه الدنيا وغايته منها هو عبادة الله وحده ، والجهاد في سبيله ، يجاهد نفسه حتى يحملها على الطاعة ويبعدها عن المعصية ، ويجاهد بقلمه ولسانه وماله ويده في سبيل الله حتى تعلو كلمة الله ويستنير البشر بنور الإسلام ، ولا مجال للتخلي عن هذه المهمة الشريفة ، وهذه المكرمة العظيمة التي أكرمه الله بها .
وهذه المعرفة لابد لها من عمل وأثر ؛ فيكون معها قطع التسويف وقصر الأمل مع الإحساس بالغربة في هذه الحياة ، فليس أفسد للقلب من التعلق بالدنيا والركون إليها وإيثارها على الآخرة ، وهيهات لقلب فاسد مريض أن يقوى على مهام الدعوة إلى الله تبارك وتعالى {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم} … صدق الله العظيم .