مشاهد من معجزات غزوة تبوك

5 1589

شهدت معركة تبوك العديد من المعجزات التي أجراها الله على يد نبيه – صلى الله عليه وسلم – تأييدا له ، وإظهارا لصدقه ، وتخفيفا للشدة والمعاناة التي لقيها المسلمون أثناء سيرهم إلى أرض الروم .

وقد ذكر المؤرخون عشر معجزات حدثت في تلك المعركة ، بعضها يتعلق بالإخبار عن أمور غيبية ، والبعض الآخر يتعلق بمعجزات حسية شهدها الصحابة ووقفوا عليها ، ومن تلك المعجزات :

إمطار السحاب ببركة دعائه

خرج المسلمون للغزو في جو شديد الحرارة ، ولم يكن معهم ما يكفي من الماء ، مما أدى إلى شعورهم بالعطش الشديد ، فانطلقوا يبحثون عن الماء من حولهم ، لكنهم لم يجدوا له أثرا ، فاضطر كثير منهم إلى ذبح راحلته وعصر أحشائها لاستخراج الماء الذي بداخلها ، فلما رأى أبوبكر الصديق رضي الله عنه حال المؤمنين أسرع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – وقال : " يا رسول الله ، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا ، فادع لنا " ، فقال له : ( أتحب ذلك ؟ ) ، قال : " نعم " ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم –  يده إلى السماء ، فما كاد أن يرجعهما حتى تجمع السحاب من كل مكان وأظلمت الدنيا ، ثم هطل مطر غزير ، فارتوى الناس وسقوا أنعامهم ، وملأوا ما معهم من الأوعية ، ولما غادروا المكان وجدوا أن تلك السحب لم تجاوز معسكرهم ، والقصة رواها ابن خزيمة في صحيحه .

إخباره بمكان ناقته التي ضلت

في الطريق إلى تبوك نزل جيش المسلمين في مكان للراحة ، فافتقد النبي – صلى الله عليه وسلم –  ناقته ، وأرسل من يبحث عنها ، ولما لم يجدوها ، قال أحد المنافقين: " أليس يزعم أنه نبي ، ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ " ، فأوحى الله إلى نبيه بمقولة ذلك المنافق ، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه وأخبرهم الخبر ، ثم قال : ( إني والله لا أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها ) فانطلق الصحابة إلى ذلك الموضع ، فوجدوها وأتوه بها .

تكثير الماء في تبوك والإخبار عن تحولها إلى جنان

في طريق الذهاب أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – من معه أنهم سيصلون إلى عين ماء في تبوك ، وطلب منهم أن يتركوها على حالها ولا يمسوها ، فلما وصلوا إلى تلك العين أسرع إليها رجلان واغترفا منها ، فنقص ماؤها ، ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم – غضب من فعلهما ، ثم طلب من الصحابة أن يأتوه من ماء تلك العين ، فغرفوا بأيديهم قليلا حتى تجمع لديهم شيء يسير ، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغسل به يديه ووجهه ، ثم أعاده فيها ، فسالت بماء غزير حتى ارتوى الناس ، والتفت النبي - صلى الله عليه وسلم –  إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال : ( يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا ) رواه مسلم ، وكانت معجزة عظيمة تنبأ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم – بتحول تلك المنطقة القاحلة إلى بساتين خضراء خلال فترة وجيزة ، وقد تحقق ما أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم – ، وصارت منطقة تبوك معروفة بوفرة أشجارها وكثرة ثمارها .

تكثير الطعام

أصاب الناس المجاعة نظرا لقلة الزاد ، وبعد المكان ، فاستأذن بعض الصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذبح الإبل والأكل منها ، فأذن لهم ، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وبين له أن ذلك سيتسبب في قلة الرواحل ، واقترح عليه أن يأمر الناس بجمع ما لديهم من طعام قليل ، ثم الدعاء له بالبركة ، فكان الرجل يأتي بكف التمر ، وآخر يأتي بالكسرة ، وثالث بكف الذرة ، حتى اجتمع شيء يسير ، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم – أن يبارك الله لهم في طعامهم ، فأخذوا في أوعيتهم ، حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلا ملأوه ، وأكلوا حتى شبعوا وبقيت زيادة ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ) رواه مسلم .

التنبؤ بحال ملك كندة

حينما وصل المسلمون إلى تبوك لم يجدوا فيها أثرا لجيوش الروم أو القبائل الموالية لها ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى دومة الجندل ، وأخبره بأنه سيجد زعيمها أكيدر بن عبد الملك وهو يصيد البقر ، وفي تلك الليلة وقف أكيدر وزوجته على سطح القصر ، فإذا بالبقر تقترب من القصر حتى لامست أبوابه بقرونها ، فتعجب أكيدر مما رآه وقال لامرأته : " هل رأيت مثل هذا قط ؟ " قالت : " لا والله " ، فنزل وهيأ فرسه ، ثم خرج للصيد بصحبة أفراد من أهل بيته، فرآه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقام بملاحقته ، حتى استطاع أن يأسره ، وقدم به على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصالحه على الجزية ، وخلى سبيله ، رواه البيهقي .

إخباره بالريح الشديدة

أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في تبوك عن هبوب ريح شديدة ، وطلب من الناس أخذ الحيطة والحذر حتى لا تصيبهم بأذى ، وأمرهم بربط الدواب وعدم الخروج في ذلك الوقت ، ولما حل الليل جاءت الريح ، فقام رجل من المسلمين من مكانه ، فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء ، رواه مسلم .

إخباره عن موت أبي ذر

كان أبو ذر الغفاري رضي الله  ممن تأخر عن الجيش في غزوة تبوك ، ثم لحق به بعد ذلك ، ولما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم - مقبلا نحو الجيش  يمشي وحده قال : ( رحم الله أبا ذر ؛ يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ) ، ومضت سنين طويلة حتى جاءت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فانتقل أبو ذر رضي الله عنه للعيش في منطقة " الربذة " ، وعندما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه أن يقوموا بتغسيله وتكفينه ووضعه في طريق المسلمين عسى أن يمر به من يقوم بدفنه ، فأقبل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في جماعة من أهل الكوفة ، وما أن عرفه حتى بكى وتذكر النبوءة وقال : " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم تولى دفنه بنفسه .

دعاؤه لرواحل المسلمين وتنبؤه بركوب أصحابه للسفن

في هذه الغزوة أصيبت رواحل المسلمين بالإجهاد والتعب ، فشكا الصحابة ذلك إلى - النبي صلى الله عليه وسلم – ، ولما اقتربوا من مضيق وقف النبي - صلى الله عليه وسلم – على بابه وأمر المسلمين أن يمروا من أمامه ، وجعل ينفخ على ظهور الرواحل ويقول : (اللهم احمل عليها في سبيلك ، إنك تحمل على القوي والضعيف ، وعلى الرطب واليابس ، في البر والبحر ) ، فعاد النشاط إليها وانطلقت مسرعة ، حتى وجد الصحابة صعوبة في السيطرة عليها .

وفي هذه الدعوة أيضا إخبار بأمر غيبي ، وهو استخدام الصحابة للسفن في الغزو والجهاد ، وقد أشار فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه إلى ذلك فقال " فلما قدمنا الشام غزونا في البحر ، فلما رأيت السفن وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -  " رواه أحمد .

تلك هي المعجزات التي شهدتها غزوة تبوك ، والتي تعتبر خاتمة لدلائل كثيرة ، ومعجزات باهرة ، وقف عليها الصحابة من أحوال النبي  - صلى الله عليه وسلم –  في المعارك ، وبقيت شاهدة على صدق نبوته ، وعظمة رسالته .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة