رمضان في سوريا

0 773

تبدأ الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان عند أهل الشام مع بداية دخول شهر شعبان؛ إذ يأخذ الناس بالتزود بالمواد الاستهلاكية وما يحتاجون إليه في هذا الشهر الكريم.

ويتزاور الناس قبل أيام قليلة من دخول شهر رمضان، أو في أيامه الأولى ليبارك بعضهم لبعض حلول الشهر الكريم. ومن العبارات المتداولة في هذه المناسبة، قولهم: (ينعاد عليكم بالصحة والسلامة) أو (إن شاء الله تعيشوا لأمثاله) أو (شهركم مبارك) ونحو ذلك من العبارات التي تقال باللهجة الشامية، والتي تعبر عن تمني الناس بعضهم لبعض الخير والبقاء لرمضان قادم.

والعادة عند أهل تلك البلاد في ثبوت هلال رمضان وشوال، أنه قبل يوم أو يومين من دخول رمضان تطلب الجهات الرسمية ممن تثبت لديه رؤية الهلال أن يخبر الجهات المختصة بهذا الشأن. وواقع الحال فإن الذين يخرجون ويلتمسون رؤية الهلال قليل من الناس، وأغلبهم يعتمدون في ثبوت الرؤية على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

المساجد خلال هذا الشهر الكريم تشهد عموما نشاطا ملحوظا، فتعقد دروس التفسير والفقه والحديث، بعد صلاة الظهر والعصر، إلى جانب المحاضرات والندوات الدينية.

وصلاة التراويح تشهد إقبالا من الناس، وأغلب المساجد لا تلتزم بقراءة ختمة كاملة من القرآن خلال صلاة التروايح، لكن بعضها تلتزم هذه العادة وتحرص عليها، وبعضها الآخر -لكنه قليل- يقرأ ختمة من القرآن في صلاة التراويح، وختمة ثانية في قيام العشر الأخير من رمضان. ومن العادات المتبعة أثناء صلاة التراويح عند أهل الشام أنهم بعد السلام من الترويحات الأربعة الأولى يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على أبي بكر رضي الله عنه، وبعد الترويحة الثامنة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على عمر رضي الله عنه، وبعد الترويحة الثانية عشرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على عثمان رضي الله عنه، وبعد الترويحة السادسة عشرة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويترضون على علي رضي الله عنه، وبعد تمام الترويحة العشرين يقولون بعض الأذكار ومنها: يا حنان يا منان ثبت قلبنا على الإيمان، نرجو عفوك والغفران، وأدخلنا الجنة بسلام. ثم يصلون الوتر.

ومن العادات عند أهل الشام إحياء ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث يعتكف كثير من الناس في المساجد تلك الليلة لإحيائها، ويتناولون طعام السحور جماعة في تلك المساجد. أما الاعتكاف في باقي أيام العشر، أو باقي ليالي رمضان فقل من يفعل ذلك، ويقتصر أغلب الناس على إحياء ليلة السابع والعشرين، والتي تتولى الإذاعة الرسمية نقل بعض وقائعها.

والعادة عند أغلب الناس في بلاد الشام أنهم يفطرون على التمر والماء وبعض أنواع العصير، ثم يتناولون طعام الإفطار مباشرة وقبل أداء صلاة المغرب، وهم في الأغلب يصلون في بيوتهم صلاة المغرب بعد أن يكونوا قد تناولوا طعام الإفطار.

وفيما يتعلق بالمائدة الرمضانية الشامية فإن الناس يولون عناية خاصة بالمشروبات والمرطبات فتضم مائدتهم شراب (العرقسوس) وهو من الأشربة المفضلة للصائمين عند أهل الشام، وخاصة أيام الصيف؛ وأيضا شراب (قمر الدين) ويصنع من المشمش المجفف حيث يغلى وينقع بالماء الساخن ثم يضاف إليه السكر؛ وأيضا هناك شراب (التمر هندي) وهو شراب مرغوب ومطلوب في هذا الشهر الكريم.

ولا تخلو المائدة الرمضانية عند أهل الشام من طعام الحساء (الشوربة) إضافة إلى أكلة الفول والحمص (الفتة) وبلغة أهل الشام (التسقية)، وينضم إلى هذه الأطعمة -التي لا تخلو منها المائدة الرمضانية الشامية- أطعمة أخرى تتبع أذواق الناس ورغباتهم، تشكل فيها مادة اللحم عنصرا أساسا، كـ (الرز بالفول) و(الملوخية)  و(البامية) و(الكبة) وغير ذلك من أسماء الأكلات الشامية التي لا يفي المقام بذكرها. وتبقى السلطات بأنواعها والخضراوات بأصنافها، كالفجل، والبصل الأخضر، لا تخلو منها المائدة الشامية أثناء تناول طعام الفطور خلال هذا الشهر الكريم.

ومن الأطعمة التي تصنع خصيصا في شهر رمضان طعام يسمى (المعروك) وهو نوع من أنواع المعجنات، يتناوله الناس مع طعام السحور، وهو عبارة عن عجين من القمح، مضاف إليه قليل من السكر والخميرة، ثم يخبز ويوضع عليه قليل من السمسم. وهناك طعام آخر لا يصنع إلا في شهر رمضان يسمى (ناعم) وهو أيضا من طائفة المعجنات يباع قبل الإفطار، وهو عبارة عن عجين الطحين بعد أن يرقق عجينه ويقلى بالزيت ثم يوضع عليه مربى الدبس.

وسنة السحور من السنن التي لا يزال يحافظ عليها أهل الشام، وإن بدأ بعض الناس يتهاون بهذه السنة ويفرط فيها. ويتناول الناس عادة في وجبة السحور (البيض) و(الألبان ومشتقاتها) كما أن أكلة (المعكرونة) تلقى حضورا مميزا على مائدة السحور.

وتنقل إذاعة دمشق مباشرة ومن مسجد بني أمية وقائع فترة السحور، والتي تشتمل على تلاوة للقرآن، وبعض الأناشيد الدينية المتعلقة برمضان، ثم يؤذن للإمساك قبل ربع ساعة من أذان الفجر، يتلو ذلك قراءة للقرآن إلى أن يحين وقت أذان الفجر، فيؤذن له، وبه يختم البث الإذاعي لهذه الوقائع. لكن يوم الجمعة من أيام هذا الشهر الفضيل يبثون عبر الإذاعة وقائع صلاة الفجر، حيث يقرأ بها بسورة السجدة وسورة الإنسان.

ومما يتعلق بتناول السحور عند أهل الشام شخصية (المسحراتي) ويسميه البعض (أبو طبلة) وهو رجل من أهل الحي أو غيره يتولى إيقاظ الناس وتنبيههم من نومهم لتناول طعام السحور، يبدأ بجولته تلك قبل أذان الفجر بساعتين تقريبا كي يتمكن من إيقاظ أكبر عدد من أهل الحي، ويقرع على الطبلة بعصاة صغيرة، ويردد أثناء ذلك عبارة (قوموا يلي ما بدوموا) وقد كان المسحراتي في فترة من الفترات يشكل عنصرا حيويا في شهر رمضان، ويعتمد عليه كثير من الناس في استيقاظهم للسحور، حتى إنه كان يوجد نقابة خاصة بمن يمارس هذه المهنة، تتولى تنظيم العمل بين أفرادها، وتوزيع المناطق التي يتناوبون عليها. أما في أوقاتنا الحاضرة فقد بدأت هذه العادة تتلاشى وتضمحل، حتى أصبح المسحراتي يأتي في الأيام الأولى من شهر رمضان، ثم يغيب نجمه فلا يظهر إلا مع ظهور هلال شوال يوم العيد، حيث يأتي على البيوت والفرحة تبستم على وجهه من أجل أن يأخذ (العيدية) أو ما تجود به أيدي الناس من الأطعمة، ولا يرى بعد ذلك إلا مع بداية رمضان القادم.

وحلويات بلاد الشام ذات عراقة وأصالة، ومن أنواع الحلوى التي تلقى مزيدا من الإقبال في هذا الشهر الفضيل نوع يسمى (القطايف)، وإلى جانب هذا النوع من الحلوى يوجد نوع يسمى (الكنافة) وهي نوعان: نوع بالقشدة ويسمى (مدلوقة) والنوع الثاني بالجبن وتسمى (نابلسية). وهذان النوعان من الحلوى من أهم أنواع الحلوى التي تلقى إقبالا خلال هذا الشهر الكريم. ويتناول الناس هذه الأنواع من الحلوى بعد عودتهم من صلاة التراويح وأثناء اجتماعاتهم المسائية.

وتقلص أوقات الدوام الرسمي خلال شهر رمضان بمقدار ساعة ونصف يوميا، ويمارس الناس أعمالهم بشكل طبيعي، ويلاحظ قلة الحركة في الأسواق في الفترة الصباحية أيام رمضان، لكن سرعان ما تبدأ الحركة تنشط وتدب بعد الظهر والعصر، حيث يذهب الناس للتزود ببعض الحاجات التي لا غناء لهم عنها ليومهم.

ومع انتشار المحطات الفضائية وتعدد برامجها وتنوع موادها أخذ كثير من الناس يمضون ليالي هذا الشهر الكريم في متابعة تلك المحطات وما تبثه من غث وسمين، الأمر الذي جعل ظاهرة السهر والذهاب إلى النوم في وقت متأخر أمر عادي عند الكثير من الناس، بل أصبح البعض يتناول طعام السحور قبل أن يذهب إلى فراش نومه، ثم ينام وقد فاتته صلاة الفجر، وبركة ذلك الوقت الفضيل.

وفي الأيام الأواخر من رمضان تستعد العائلات الشامية لتحضير حلوى العيد، ومن أنواع الحلوى المعهودة في هذه المناسبة ما يسمى (المعمول) وهو عجين يدعك بالسمن ثم يحشى بالفستق أو الجوز أو التمر. وقد كانت العائلات تقوم بصنع هذه الحلوى بنفسها، غير أن الكثير منهم الآن بدأ يتخلى عن هذه العادة، ويسعى لإحضارها من المحلات المتخصصة بصنعها.

وعندما يشارف شهر رمضان على المغادرة والفراق يدخل قلوب الناس -وخاصة الكبار منهم- الحزن والأسى، وكأن ضيفا كريما وعزيزا عليهم سوف يتركهم ويودعهم، حتى إن بعض الناس يذرفون الدموع، ويتحسرون على انتهاء هذا الشهر المبارك، وخاصة لدى سماعهم الأناشيد الدينية التي تعبر عن لحظات الفراق والوداع، والتي تبثها الإذاعة السورية في وقت السحر، ومن تلك الأناشيد التي تقال في هذه المناسبة نشيدة مطلعها: (فودعوه ثم قولوا له: يا شهرنا قد آنستنا...) وتقال هذه النشيدة يومي الثامن والتاسع والعشرين من الشهر الكريم.

مواد ذات صلة