- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:المقالات
يبلغ عدد سكان السودان (33) مليون نسمة تقريبا ـ بعد الانفصال الجنوبي ـ، ونسبة المسلمين تصل إلى (96%)، يتكلمون أكثر من (110) لغات ولهجات محلية، ويستقبل أهل السودان شهر الخير بالفرح والسرور، ويهنئ الجميع بعضهم بعضا بقدوم هذا الشهر المبارك، من عبارات التهنئة المتعارف عليها بينهم في هذه المناسبة قولهم: (رمضان كريم) وتكون الإجابة بالقول: (الله أكرم) أو: (الشهر مبارك عليكم) أو: (تصوموا وتفطروا على خير).
ويعتمد الناس هناك في إثبات هلال رمضان على ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية بهذا الشأن، وقلما تجد من الناس من يخرج طلبا لالتماس الهلال، لكن ثمة فريق من الناس يعتمد استطلاع الهلال بالطريقة الشرعية، ولا يعتمد فيما وراء ذلك على شيء. وعلى العموم، لا يختلف ثبوت رمضان في هذا البلد المسلم، على امتداد مساحته البالغة ( 2.5 ) مليون كيلو متر مربع تقريبا، من مكان لآخر.
ويبدأ الاحتفال بشهر رمضان عند أهل السودان قبل مجيئه بفترة طويلة؛ فمع بداية شهر شعبان تنبعث من المنازل السودانية رائحة جميلة، هي رائحة (الأبري) أو (المديدة). وعند ثبوت رؤيته يحدث ما يعرف بـ (الزفة) إذ تنتظم مسيرة مكونة من رجال الشرطة، والجوقة الموسيقية العسكرية، ويتبعهم موكب رجال الطرق الصوفية، ثم فئات الشعب شبابا ورجالا...وتقوم هذه (الزفة) بالطواف في شوارع المدن الكبرى، معلنة بدء شهر الصيام.
ومما يلفت النظر عند أهل السودان أن ربات البيوت اعتدن على تجديد وتغيير كل أواني المطبخ، احتفالا وابتهاجا بقدوم شهر رمضان، وحالما يتم الإعلان عن بدء شهر الصوم، تبدأ المساجد في إضاءة المصابيح الملونة على المآذن والأسوار، وتظل الأضواء الخاصة طوال ليالي رمضان، كما تبدأ المدافع في الانطلاق عند كل أذان مغرب، معلنة حلول موعد الإفطار، وقبل الفجر للتنبيه على الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات. ومن المعتاد في هذا البلد تأخير أذان المغرب، وتقديم أذان الفجر، احتياطا للصيام!
أما المساجد فتظل عامرة طوال هذا الشهر المبارك بالرواد من المصلين والمتعبدين. وذلك منذ خروج المواطنين من أعمالهم وقت الظهيرة، وخاصة بعد صلاة العصر حيث تبدأ دروس العلم، وحلقات القرآن وتستمر إلى قبيل أذان المغرب بقليل.
ومع حلول موعد الإفطار يتم شرب (الآبريه) ويعرف بـ (الحلو - مر) وهو شراب يروي الظمآن، ويقضي على العطش الذي تسببه تلك المناطق المرتفعة الحرارة. و(الآبريه) كما يصفه أهل تلك البلاد، عبارة عن ذرة تنقع بالماء حتى تنبت جذورها، ثم تعرض لأشعة الشمس حتى تجف، ثم تطحن مع البهارات، وتعجن وتوضع على هيئة طبقات في الفرن حتى تنضج.
ويستعد الناس عادة لتحضير هذا الشراب قبل رمضان بأشهر، فإذا جاء الشهر الفضيل تقوم النساء بنقع (الآبريه) بالماء فترة حتى يصبح لونه أحمر، ويفطر عليه الصائمون، فيشعرون بالري والارتواء بعد العطش والظمأ طوال النهار.
ومن الأشربة المشهورة عند أهل السودان في هذا الشهر الكريم شراب يصنع من رقائق دقيق الذرة البيضاء، حيث تطهى على النار، ويعمل منها مشروب أبيض يعرف بـ (الآبري الأبيض) له خاصية الإرواء والإشباع، إضافة إلى شراب (المانجو) و(البرتقال) و(الكركدي) و(قمر الدين) ونحو ذلك.
أما المائدة الرمضانية السودانية فتتم على بسط من سعف النخيل مستطيلة الشكل، يصطف الناس حولها صفين متواجهين. ويبدأ الإفطار بتناول التمر ثم (البليلة) وهي عبارة عن الحمص المخلوط مع أنواع أخرى من البقول المسلوقة، ومضاف إليها التمر. وهو طعام لا غنى عنه عند الفطور.
ثم يتبع ذلك تناول (عصير الليمون) إذا كان الجو حارا، أو (الشوربة) إذا كان الجو باردا. وتلي ذلك الوجبات العادية، وأشهرها (الويكة) وهي نوع من (البامية) مع (العصيدة) وهناك أيضا طعام يسمى (ملاح الروب) وهو عبارة عن لبن رائب ممزوج بقليل من الفول السوداني. وطعام يسمى (القراصة) ويؤكل مع الإدام.
ويعد طبق (العصيدة) من الوجبات التقليدية عند أهل السودان، ويتكون من خليط عجين الذرة المطهي، ويؤكل مع طبيخ (التقلية) ذات اللون الأحمر، ومكوناته تتألف من (البامية) الجافة المطحونة وتسمى (الويكة) مع اللحمة المفرومة. وبعد تناول طعام الإفطار، يحتسي الصائمون شراب الشاي والقهوة.
وأهم ما يلفت الانتباه عند أهل السودان خلال هذا الشهر الكريم ظاهرة الإفطار الجماعي، حيث تفرش البسط في الشوارع إذا كانت متسعة، أو في الساحات العامة، وتأتي كل عائلة بطعام إفطارها جاهزا مجهزا، وتضعه على تلك البسط، وحالما يتم الإعلان عن دخول وقت المغرب يبدأ الجميع في تناول الطعام معا، ثم يلي ذلك صلاة المغرب جماعة، وبعد تناول شراب القهوة ينصرف الجميع كل إلى شأنه وأمره.
ومن عادات السودانيين في هذا الشهر ولا سيما في القرى، خروج كل واحد من بيته قبل الأذان حاملا إفطاره وبكمية تزيد على حاجته، ثم يجلس إما في المسجد، وإما في الشارع ناظرا ومنتظرا أي شخص غريب ليفطر معه.
ومن العادات الرمضانية عند أهل السودان كثرة التهادي بين الناس في هذا الشهر الكريم، ويكون ذلك بإرسال الطعام والشراب قبل المغرب بين الأسر، ويقبل الأغنياء من الفقراء هداياهم وأطعمتهم، لئلا يشعروهم بالحرج في قبول ما يرسلونه لهم هم بعد ذلك.
وفي الخميس الأخير من رمضان يعد السودانيون طعاما خاصا يعرف بـ (الرحمات) يتصدقون به على الفقراء والمساكين، وهم يعتقدون في هذا أن أرواح الموتى تأتي في هذا اليوم لتسلم على أهلها.
ويقبل الناس من أهل السودان على القرآن الكريم بطريقة تستحق الإعجاب والتقدير، حيث تعقد الحلقات في المساجد من بعد صلاة العصر حتى قبيل المغرب بقليل، وتكثر الدروس الدينية في هذا الشهر، ويتولى الأئمة والدعاة أمر القيام على هذه الدروس والحلقات. ويكون هذا الشهر بالفعل شهرا إسلاميا.
أما صلاة التراويح فإن الناس في السودان يهتمون بها جدا، كما هو الحال عند باقي المسلمين؛ وتقام هناك صلاة التراويح في المساجد أو في الخلاوي والزوايا التي تجمع بعض أهل الحي فيصلون التراويح، ويسمعون المواعظ التي تتخلل صلاة التراويح.
ويصلي أهل السودان صلاة التراويح عادة ثماني ركعات. وتشهد صلاة التراويح إقبالا ملحوظا، وحضورا مشهودا؛ حيث تزدحم المساجد بالمصلين من الرجال والنساء والشباب والأطفال في مشهد يسر الناظرين. ولا تلتزم أغلب المساجد هناك بختم القرآن في هذه الصلاة، لكن بعضها يحرص على ذلك. وفي بعض المساجد يحرصون على قراءة بعض الأذكار عقب كل ركعتين من صلاة التراويح، كقولهم: (اللهم إنك عفو كريم، تحب العفو فاعف عنا).
وتنتشر في بلاد السودان -كما في العديد من بلاد الإسلام- عادة السهر إلى وقت متأخر من الليل، حيث يمضي الكثير أوقاتهم خلف شاشات التلفزة. وتلاحظ أيضا عادة النوم حتى وقت الظهيرة، وعند البعض قد يستمر النوم إلى الساعة الثانية بعد الظهر، وكل هذا من العادات السيئة، وليست من مقاصد الصيام في شيء. نسأل الله السلامة والعافية.
ومع بداية الشهر الكريم يغير التلفزيون السوداني من طبيعة برامجه، ويعرض برامج خاصة بشهر رمضان، تجعل الناس ينجذبون إليه، ويلتفون حوله، الأمر الذي يؤدي بالبعض إلى الكسل عن القيام ببعض الطاعات والقربات، والتي هي أجزل ثوابا، وأضعف أجرا في هذا الشهر الفضيل. وغالبا ما يذهب الشباب وصغار السن بعد الإفطار والصلاة إلى الأندية الثقافية والاجتماعية التي تحتفل بهذا الشهر، فيمضون شطرا من الليل في تلك الأندية. ثم هناك الطرق الصوفية، وهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة، منها (الختمية) و(القادرية) و(الإسماعلية) وغيرها، ولكل منها أنشطتها الدينية المختلفة التي تقيمها في زواياها الخاصة، ويؤمها كبار السن بعد المغرب لقراءة قصة المولد النبوي، وسماع المدائح النبوية، وإقامة الأذكار بواسطة ما يدعى (النوبات) وهي طبلة كبيرة من الجلد، تقرع بالعصا، وتستمر تلك الجلسات والنوبات حتى منتصف الليل!
أما الأسر السودانية فإنها تتبادل الزيارات العائلية، كما ويعد شهر رمضان شهر المتعة للأطفال، الذين يمارسون هواياتهم، وخاصة وقت الإفطار الجماعي، فضلا عن السماح لهم بالسهر إلى وقت متأخر من الليل، الأمر الذي لا يجوز لهم في غير رمضان.
وفي الأيام الأخيرة من شهر الخير، تشهد المنازل السودانية نشاطا ملحوظا، وتحركا ملموسا؛ إذ تبدأ الاستعدادات الخاصة لتحضير حلوى العيد، وتنشغل النساء في عمل (الكعك) و(البسكويت) وغير ذلك من أنواع الحلوى المعروفة عند أهل السودان.
وعادة ما يتم تحضير ذلك بشكل جماعي وتعاوني بين النساء؛ فكل يوم مثلا يقوم فريق من النسوة مجتمعات بصنع ما تحتاجه الواحدة منهن في بيتها، وفي اليوم التالي يشترك الجميع أيضا بتحضير الحلوى لأخرى وهكذا.
وتقام في الأيام الأخيرة من رمضان ليلة تسمى ليلة (الحنجرة) يقيمها من توفي له قريب عزيز خلال شهر رمضان، أو قبله بوقت قصير، وفي هذه الليلة يقدم للمعزين التمر والمشروبات.
وليلة القدر ينتظرها جميع المسلمين في السودان، ويحتفل بها رسميا وشعبيا في السابع والعشرين من رمضان، ويستقدم لأجلها كبار المقرئين، وتمتلئ المساجد بالعباد والمتقربين إلى الله.
ويحرص أهل السودان أشد الحرص على إخراج زكاة الفطر، وتوزيعها على الفقراء والمساكين المنتشرين على طول البلاد وعرضها، وهم في العادة يتولون بأنفسهم أمر ذلك.
والطوائف غير المسلمة في بلاد السودان لا يعنيها أمر رمضان لا من قريب ولا من بعيد، وهو يمر عليها كمرور غيره من الأيام، وهم في الظاهر يبدون مظاهر الاحترام والتقدير لهذا الشهر، ولا يمنع ذلك من وجود بعض الحالات الشاذة والاستثنائية التي يتعمد فيها البعض القيام ببعض الممارسات التي تخل بحرمة هذا الشهر الكريم، وتسيء لمشاعر أهل الإسلام.
ويتم توديع رمضان عند أهل السودان بإنشاد القصائد الدينية والمدائح النبوية...وعلى كل حال، فلرمضان عند أهل السودان مذاق خاص وطعم مختلف، وعلاقة الناس به علاقة قوية، فهم يحنون إليه أشد الحنين بداية، ويحزنون عليه غاية الحزن نهاية.