رمضان في عُمان

0 551

الاستعداد لاستقبال شهر رمضان في عمان يكون عادة بالتهيؤ للشهر الكريم منذ وقت مبكر، وقبل دخول الشهر الكريم بشهور، حيث يتواصى الناس بالخير، ويذكر الناس بعضهم بعضا باقتراب موعد حلول شهر رمضان.

يستقبل أهل عمان شهر الخير بالفرح والبهجة والسرور؛ وأكثر ما تتجلى هذه المشاعر في الليلة الأخيرة من شهر شعبان؛ حيث يخرج الناس لمشاهدة هلال رمضان، ويتنافسون في مراقبة هلاله، فتراهم يبحثون عن الأماكن المرتفعة، فيصعدون إليها شغفا وطلبا للفوز برؤية الهلال؛ حيث إن رؤية الهلال لها مزية ومكانة عند الناس في عمان، لذلك نرى أن من يسبق إلى رؤية هلال رمضان يشتهر اسمه بين الناس، ويذيع صيته.

أهل الخليج عموما عاداتهم متقاربة وأعرافهم متشابهة ؛ حيث تتنوع الأكلات الرمضانية عندهم، والتي منها (الشربة)  و(الهريس)  و(الثريد) وغير ذلك من الأكلات الخليجية المشهورة في هذا الشهر الكريم.

أما فيما يتعلق بالحلوى، فإن أهل عمان قد تميزوا عمن سواهم من أهل الخليج بـ "الحلوى العمانية" وهي حلوى لذيذة لا يخلو منها البيت العماني طيلة أيام العام ، ولها أنواع عدة تتفاوت في قيمتها ومكوناتها ، ويأتي في مقدمها "السلطانية" التي تعتبر أغلى أنواع الحلوى، ولا يحصل عليها إلا علية القوم من شيوخ القبائل وكبار التجار نظرا لقيمتها المرتفعة، تليها حلوى "بركا" وحلوى "نزوى" و"صحار" وتأخذ هذه الحلوى ألوانا عدة، فمنها ما هو أسود اللون ومنها ما هو أصفر ومنها الأحمر، ويتم إضافة اللوز أو الفستق إليها، وفي بعض الأنواع يضاف إليها "الكازو" والزعفران والهيل والسمن العربي، وحديثا تم إدخال التمر في هذه الحلوى رغبة في تطوير صناعتها واستحداث مذاقات جديدة لها.

وظاهر الليالي الرمضانية قد لا تختلف عن غيرها من الدول الخليجية، حيث يجتمع كل أصحاب القرية، أو الحي الواحد في أحد المساجد لأداء صلاة التراويح، وتتفاوت المساجد في أداء عدد ركعات صلاة التراويح حسب ما يراه أئمة المساجد ومشايخها؛ فالبعض يصلي التراويح عشرين ركعة، والبعض الآخر يصليها ثمان ركعات.

واجتماع الناس في رمضان ظاهرة بارزة عند أهل عمان، حيث يتكرر اجتماعهم أكثر من مرة في اليوم الواحد؛ فإضافة إلى اجتماعهم وقت أداء الصلوات المكتوبة؛ يجتمع الناس في حلقات لتدارس وقراءة القرآن بعد الفجر والعصر من أيام رمضان؛ كما يجتمعون عند تناول طعام الفطور في البيت داخل الأسرة الواحدة، أو في المسجد داخل أهل الحي الواحد؛ ويلتقي الجميع لشرب القهوة بعد أداء صلاة التراويح؛ ومن العادات أيضا عند أهل عمان اجتماعهم في اليوم السابع والعشرين في الأسواق لشراء مستلزمات العيد.

وتعقد في هذا الشهر المبارك مجالس الصلح والمصالحة بين المتخاصمين والمتشاحنين والمتنافرين؛ حيث يسامح المتخاصمون بعضهم بعضا، ويتناسى المتشاحنون ما كان بينهم من شحناء وبغضاء، ويصل المتقاطعون ما أمر الله به أن يوصل.

أما استقبال العيد عند أهل عمان فله بهجته وموقعه الخاص في النفوس، حيث يخرج الناس إلى المصليات التي أعدت لأداء صلاة العيد، فيؤدون الصلاة جماعة. وتقام بالقرب من تلك المصليات مجمعات للتسوق، واستراحات للتعارف والتزاور واللقاء. ويرافق ذلك أحيانا إطلاق بعض العيارات النارية احتفاء بقدوم العيد السعيد.

كما تنظم بعض اللقاءات بين الرجال يقومون خلالها ببعض الحركات (الدبكات) التي تدل على أصالة الأجداد ومفاخر التراث. ويلاحظ التواجد المكثف للأطفال في تلك المواقع حيث يحضرون ابتغاء الحصول على الهدايا والحلوى التي تقدم في العيد خصيصا لهم.

وإن ذكر العيد ذكر معه أهم عاداته عند أهل عمان، تلك هي عادة "الشواء" وهي عرف اجتماعي من الأعراف المحببة لدى أهالي عمان، حيث يجتمع فيها أهل الحي ليقوموا بما يشبه "حفلة الشواء الجماعية" وتبدأ مراسيم هذه العادة قبل العيد بعدة أيام حيث يتم تهيئة تنور ضخم يتسع لعشرين ذبيحة أو أكثر، وهذا التنور مبني من الحجر والطين، كذلك يتم جمع الحطب وإعداد المكان المناسب.

وفي أول يوم للعيد -أو اليوم الثاني بحسب اختلاف المناطق هناك، وبعد الانتهاء من صلاة الظهر والفراغ من معايدة الناس وصلة الأرحام والأقارب، يتجمع أهالي المنطقة لتجهيز وإعداد اللحم الذي سوف يوضع في التنور، وينقسم أهالي الحي إلى مجموعات ويتم إعطاء كل مجموعة مهمتها، ويتم خلال ذلك تقطيع اللحم إلى أوصال مناسبة وإزالة الشحوم المتعلقة بها ـوذلك لأن الشحوم بطبيعتها سريعة الذوبان مما لا يتناسب مع طريقة الشواء هذه- ويضاف إلى اللحوم أنواع خاصة من البهارات، وتلف كل قطعة لحم في ورق الموز أو "اللامبو"  ويفضل الآخرون استخدام "الشوع" بدلا عن ذلك؛ لأنه يعطي نكهة مميزة للحم بعد نضوجه، كما أنه يحمي اللحم من الاحتراق داخل التنور، ثم يتم وضع اللحم كله داخل "الوخيفة" أو "الخيفة" وهو الجراب الذي يوضع فيه اللحم، ويكون مصنوعا من سعف النخيل، ولها تسمية أخرى عند بعض المناطق وهي "الخصف" ويراعي عند وضع اللحم داخل الجراب أن يتم توزيع اللحم على هيئة طبقات يفصل بينها بورق الموز، وإذا لم يجد فإنهم يستعيضون عنه بورق القصدير.

وفي المقابل يتم تهيئة التنور ويوضع فيه الحطب الذي قد تم إعداده مسبقا، وتوقد النار في هذا الحطب حتى يصبح جمرا متقدا، عندها توضع "الخيفة" داخل التنور ويحكم عليها الإغلاق من أعلى التنور بوضع غطاء حديدي يمنع تسرب الأكسجين إلى الداخل أو دخول الأتربة على التنور، كما أن هذه الطريقة تساعد التنور على البقاء حارا يومين أو يزيد.

ويتفرق الناس في هذا اليوم، ليجتمعوا مرة أخرى في اليوم التالي قبيل الظهر، حيث يتم استخراج اللحم من التنور، وتلك عملية تأخذ بعض الوقت نظرا لكثرة اللحم الموجود، وفي الوقت ذاته تقوم النساء في البيوت بإعداد الأرز الذي سيؤكل مع هذا اللحم، وبعد الانتهاء من الصلاة يذهب الناس إلى مجلس الحي، أو القرية ليتناولوا الغداء معا، ويتم تخصيص جزء من اللحم للنساء اللاتي في البيوت.

ومما يذكر هنا في هذه المناسبة أن الناس يجتمعون عادة ليقوموا بزيارة شيوخ القبائل، وقد يؤدي ذلك بهم أن يقطعوا مسافات طويلة، ويستمر تبادل الزيارات بين أهالي المناطق المختلفة طيلة أيام العيد.

مواد ذات صلة