- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
إن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي تحلى بها الأنبياء، وحث عليها المرسلون،واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمن عرف بالضيافة عرف بشرف المنزلة، وعلو المكانة، وانقاد له قومه، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام، إلا كان من كمال سؤدده إطعام الطعام، وإكرام الضيف، كما قال ابن حبان يرحمه الله:
"والعرب لم تكن تعد الجود إلا قرى الضيف، وإطعام الطعام، ولا تعد السخي من لم يكن فيه ذلك".
وقد حثنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على إكرام الضيف؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي شريح خويلد بن عمرو رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته أذناي حين تكلم به، قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته"، قالوا: وما جائزته؟ قال: "يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، وما كان بعد ذلك فهو صدقة عليه" [رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية أخرى عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه" قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: "يقيم عنده ولا شيء له يقريه به" [رواه مسلم].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "إن لزورك عليك حقا" [رواه البخاري ومسلم].
ويقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي على قوله لأبي الدرداء: "إن لضيفك عليك حقا" [رواه الترمذي].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال: "ما من الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل في غنمه يقري ضيفه ويؤدي حقه" [رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود ( المجهود من أصابه الجهد والمشقة والحاجة والجوع). فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق. فقال: "من يضيف هذا الليلة رحمه الله" فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني. قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة" [رواه البخاري ومسلم].
فانظر إلى هذا الكرم كيف رفع منزلة أهل هذا البيت حتى أخبر الله نبيه خبرهم وعجب من صنيعهم!!.
قال الشاعر:
أولئك قوم إن بنـوا أحسنـوا البنا *** وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها *** وإن أنعموا لا كـدروها ولا كـدوا
وعلى المضيف عدم احتقار القليل، بل يجود بالموجود ولو بشق تمرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار القليل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة".
وعنه أيضا قال: "خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب، فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج العكة (وعاء من جلد يوضع فيه السمن والعسل)، ليس فيها شيء فنشقها، فنلعق ما فيها".
قال ابن حبان يرحمه الله: "يجب على العاقل ابتغاء الأضياف، وبذل الكسر؛ لأن نعمة الله إذا لم تصن بالقيام في حقوقها، ترجع من حيث بدأت، ثم لا ينفع من زالت عنه التلهف عليها، ولا الإفكار في الظفر بها، وإذا رأى حق الله فيها، استجلب النماء والزيادة، واستأخر الأجر في القيامة، واستصغر إطعام الطعام.
وعنصر قرى الضيف هو ترك استحقار القليل، وتقديم ما حضر للأضياف؛ لأن من حقر منع من إكرام الضيف بما قدر عليه، وترك الادخار عنه، وقد سئل الأوزاعي – رحمه الله – ما إكرام الضيف؟ قال: طلاقة الوجه، وطيب الكلام".
فانظر – أخي الحبيب – إلى فقه هذا الإمام الذي جعل إكرام الضيف في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وقارن ذلك بحال أهل زمانك، فالضيافة عند أكثرهم هي بتكثير الطعام، حتى إنك تجد كثيرا من الناس من يمتنع عن القرى لعدم وجود اللحم في حال وجود الضيف، والقاصد لوجه الله يجود بالموجود، ولا يتكلف التكلف الذي هو فوق الطاقة، وأما ما دون ذلك فلا بأس به، بل هو محمود لقول الله سبحانه وتعالى – في شأن إبراهيم خليله لما أتاه الأضياف – {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين} [الذرايات:26]. وقال تعالى: {فما لبث أن جاء بعجل حنيذ} [هود:69].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" قالا: الجوع يا رسول الله. قال: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا"، فقاموا معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا وسهلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين فلان؟" قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب"، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا.
ومن تمام الضيافة أن تفرح بمقدم ضيفك، وتظهر له البشر، وأن تلاطفه بحسن الحديث، وتشكره على تفضله ومجيئه، وتقوم بخدمته، وتظهر له الغنى وبشاشة الوجه؛ فقد قيل: البشاشة في الوجه خير من القرى، وقد نظم بعضهم هذا الكلام بأبيات فقال:
إذا المرء وافـى مـنزلا منك قاصـدا *** قراك وأرمـته لديــك المسـالك
فكن بــاســما فـي وجـهــه متـهــللا *** وقل مرحبـا أهلا ويوم مبارك
وقــدم لـه مـا تستـطيــع مـن القـرى *** عجولا ولا تبخل بما هو هالك
فـقـد قيــــل ببـيـت ســالــف متقــدم *** تداولــــه زيـد وعمـرو ومالك
بشاشة وجه المـرء خير من القرى *** فكيف بمن يأتي و هو ضاحك
وقال آخر:
الله يعلـم أنه مــا ســـرني *** شيء كطـارقـة الضيـوف النزل
مازلت بالترحـيب حتـى خلتني *** ضيفـا لهـم والضيف رب المنـزل
أخذها من قول بعضهم:
يا ضيفنـا لو زرتنـا لوجـدتنا *** نحـن الضيـوف وأنت رب المنـزل
وقال سيف الدولة ابن حمدان:
مـنـزلنـا حـب لمــن زاره*** نحـن ســواء فيـه و الطـارق
وكل مـا فيـه حـلال لــه *** إلا الذي حــرمــه الخـالـق
قال ابن حبان يرحمه الله: "ومن إكرام الضيف طيب الكلام، وطلاقة الوجه، والخدمة بالنفس فإنه لا يذل من خدم أضيافه، كما لا يعز من استخدمهم، أو طلب لقراه أجرا".
وكرام الناس وسادتهم يقضون هذا الحق، فيقبلون على ضيوفهم، ويرفعون من قدرهم، ويعلون من منزلتهم، والتقرب تجمل الحديث، والبسط ، والتأنيس ، والتلقي بالبشر من حقوق القرى ، ومن تمام الإكرام.
وقالوا: "من تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة، وإطالة الحديث عند المأكلة".
وقال حاتم الطائي:
سلي الجـائـع الغرشـان يا أم منـذر *** إذا ما أتـاني بين ناري ومجـزري
هل أبسط لـه وجهي إنـه أول القرى *** وأبـذل معـروفـي له دون منكري
وقال آخر:
وإني لطلق الــوجـــه للمـبـتــغـي القــرى *** وإن فـنـائـي للقـــرى لرحـيـــب
أضــاحـك ضيـفــي قـبـل إنـزال رحـــله *** فيخصـب عندي والمكان جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القـرى *** ولكنمـا وجــه الكـريــم خصيـب
وإذا كان معك أكثر من ضيف، فأقبل على كل واحد منهم بوجهك، ولا تخص أحدا دون الآخر بحديثك، أو شيء من ضيافتك، وحاول أن تلتمس رضى كل واحد منهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس لضيوفه، فقد كان يعطي كل واحد من ضيوفه نصيبه، ولا يحسب ضيفه أن أحدا أكرم عليه منه.
قال الشاعر:
أتاك رســول المكــرمـات مسـلما *** يـريــد رســـول اللــه أعـظــم مـتـقـي
فأقبل يسـعى في البساط فما درى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي
واعلم – أخي في الله – أن العبوس وإبداء الضيق، وكثرة الدخول والخروج لغير حاجة، ونهر الأطفال أو الخادم بحضرة الضيوف – دليل الشح، وأمارة البخل، والموت خير من إجابة دعوة بخيل، كما قيل:
وللمـوت خير من زيارة باخل *** يلاحظ أطراف الأكيـل على عمـد
رزقنا الله وإياكم نفوسا كريمة سخية ، ووجوها باسمة ندية ، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأجواد سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.