- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أمراض القلوب
الحسد خلق ذميم مع إضراره للبدن وإفساده للدين ، حتى لقد أمر الله تعالى بالاستعاذة من شره : (ومن شر حاسد إذا حسد)(الفلق/5) .
وناهيك بحال ذلك شرا ، ولو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق دنيء ، يتوجه نحو الأقارب والأكفاء ، ويختص بالمخالط والصاحب ، لكانت النزاهة عنه كرمـا ، والسلامة منه مغنمـا ، فكيف وهو بالنفس مضر ، وعلى الهم مصر ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف من غير نكاية في عدو ، ولا إضرار بمحسود .
إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين ؛ ولهذا يتمنى الحاسد زوال النعمة عن المنعم عليه .
دواعي الحسد
ذكر العلماء دواعي الحسد ، فأورد الماوردي أنها ثلاثة :
1) بغض المحسود ، فإذا كانت له فضيلة تذكر أو منقبة تشكر ثارت نفس من أبغضه حسدا .
2) أن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه ، فيثير ذلك حسدا ، فالحسد هنا يختص بمن علا مع عجز الحاسد عن إدراكه .
3) السخط على قضاء الله تعالى ، فيحسد الآخرين على ما منحهم الله تعالى إياه ، وإن كانت نعم الله عنده أكثر ، ومنحه عليه أظهر .
وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها ؛ إذ ليس لصاحبه راحة ، ولا لرضاه غاية .
دفع شر الحاسد
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب :
السبب الأول : التعوذ بالله من شره ، والتحصن به واللجوء إليه .
السبب الثاني : تقوى الله تعالى ، وحفظه عند أمره ونهيه .
فمن أتقى الله تعالى تولى الله عز وجل حفظه ، ولم يكله إلى غيره .
السبب الثالث : الصبر على عدوه ، وألا يقاتله ولا يشكوه ، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه .
السبب الرابع : التوكل على الله .
فمن توكل على الله فهو حسبه ، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم .
وهو من أقوى الأسباب في ذلك ، فإن الله تعالى حسبه ، أي كافيه ، ومن كان الله عز وجل كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه .
السبب الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه ، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له .
فلا يلتفت إليه ، ولا يخافه ، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه .
وهذا من أنفع الأدوية ، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره .
السبب السادس : الإقبال على الله تعالى والإخلاص له ، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئـا ، حتى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلية ، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب ، والتقرب إليه .
السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه .
فإن الله تعالى يقول : (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)(الشورى/30) .
السبب الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكنه ، فإن لذلك تأثيرا عجيبـا في دفع البلاء ، ودفع العين ، وشر الحاسد ، ولو لم يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديمـا وحديثـا لكفي به .
فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها ، ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله تعالى ، وهو كفران النعمة ، وهو باب إلى كفران المنعم .
السبب التاسع : وهو من أصعب الأسباب على النفس ، وأشقها عليها ، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله تعالى ، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وشرا وبغيـا وحسدا ازددت إليه إحسانـا ، وله نصيحة ، وعليه شفقة .
وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه ، فاستمع الآن إلى قوله عز وجل : (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)(فصلت/34 - 36) .
السبب العاشر : وهو الجامع لذلك كله ، وعليه مدار هذه الأسباب ، وهو تجريد التوحيد ، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلم بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح ، وهي بيد محركها ، وفاطرها وبارئها ، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه ، فهو الذي يحسن عبده بها ، وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه ، قال تعالى : (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله)(يونس/107).
والحاسد صاحب معصية عظيمة ، فقد قال بعض السلف : " الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، يعني حسد إبليس لآدم - عليه السلام - ، وأول ذنب عصي الله به في الأرض ، يعني حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله " .
كما أن الحاسد لا ينقطع همه .
قال بعض الأدباء : " ما رأيت ظالمـا أشبه بمظلوم من الحسود ، نفس دائم ، وهم لازم ، وقلب هائم " .
والحاسد مسيء للأدب مع الله سبحانه وتعالى .
قال الشاعر :
يا حاسـدا لـي على نعمـتي أتدري على من أسأت الأدب ؟
أسـأت علـى الله في حكمـه لأنك لم تـرض لي ما وهب
فأخـزاك ربـي بأن زادنـي وسـد عليك وجـوه الطلب