أحكام الهدي

0 1461

الهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم تقربا إلى الله تعالى ، قال عز وجل : {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون }(الحج: 36) ، وقد أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مائة من الإبل .

وللهدي أحكام وشروط تتعلق به يذكرها أهل العلم في هذا الباب ينبغي أن يكون الحاج منها على بينة .

أنواع الهدي

ينقسم الهدي إلى نوعين تطوع وواجب .

فهدي التطوع هو ما يقدمه العبد قربة إلى الله تعالى من غير إيجاب سابق ، فله أن يتقرب وأن يهدي ما شاء من النعم حتى ولو لم يكن محرما ، وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم-  غنما مع أبي بكر رضي الله عنه عندما حج سنة تسع ، وأهدى في حجه مائة بدنة.

وأما الهدي الواجب فهو الذي يجب على العبد بسبب من الأسباب الموجبة للدم ، والدماء الواجبة في الحج أنواع :

- دم التمتع والقران

وهو الدم الواجب بسبب الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد قال جل وعلا : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } (البقرة: 196) وألحق القارن قياسا على المتمتع فيجب عليهما ما استيسر من الهدي وأقله شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة ، والحكم في الآية السابقة على الترتيب فلا يجوز العدول عن الهدي إلى غيره إلا إذا عجز عنه ، كأن يعدمه أو يعدم ثمنه ، فينتقل حينئذ إلى الصيام فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .

وما سبق خاص بمن لم يكن من حاضري المسجد الحرام ، أما من كان من حاضري المسجد الحرام فلا هدي عليه .

- دم الفوات والإحصار

وهو الدم الواجب بسبب فوات الحج ، وذلك بأن يطلع فجر يوم النحر على المحرم ولم يقف بعرفة ، وحينئذ فإنه يتحلل بعمرة  فيطوف ، ويسعى ، ويحلق أو يقصر ، ويقضي  الحج الفائت ، ويهدى هديا يذبحه في قضائه .

ويجب الدم أيضا بسبب الإحصار وهو طروء مانع يمنع المحرم من إتمام نسكه بعد أن شرع فيه ، كمرض أو عدو أو غير ذلك من الموانع لقوله جل وعلا :{ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } (البقرة: 196). فيجب عليه هدي يذبحه حيث أحصر ، فإن لم يجد الهدي ففي انتقاله إلى الصيام خلاف .

وينبغي أن يعلم أن الفوات خاص بفوات الوقوف بعرفة ، وأما الإحصار فهو عام فيمن أحصر عن أي ركن من الأركان ، أما من أحصر عن واجب فإنه لا يتحلل بل يبقى على إحرامه ، وفي لزوم الدم عليه خلاف ، والفوات أيضا خاص بالحج فلا يتصور في العمرة فوات ، وأما الإحصار فهو عام في الحج والعمرة .

- دم ترك الواجب

وهو الدم الواجب لترك واجب من واجبات الحج كترك الإحرام من الميقات ، وعدم الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة ، وترك المبيت بمزدلفة ومنى ، وترك طواف الواداع .

فالواجب فيه شاة ، وإن لم يجد ففي انتقاله إلى الصيام خلاف، فمنهم من قال يصوم عشرة أيام قياسا على دم التمتع ، ومنهم من لم يلزمه بالصوم لأن القياس مع الفارق .

- دم ارتكاب المحظور

وهو الدم الواجب بارتكاب محظور من محظورات الإحرام -غير الوطء وعقد النكاح وقتل الصيد - كالحلق ولبس المخيط والتطيب وتقليم الأظافر ، فالواجب فيه دم على التخيير ، وهي فدية الأذى المذكورة في قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } (البقرة: 196) ، فهو مخير بين أن يذبح شاة ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم ثلاثة أيام .

- كفارة الوطء والاستمتاع  

وهو الدم الواجب بالجماع ، فإذا جامع الرجل زوجته في الفرج قبل التحلل الأول فسد حجه ، ويجب عليه بدنة ، ويتم أعمال الحج ويقضيه من العام التالي ، وأما لو أنزل بمباشرة دون الفرج ، أو لمس بشهوة ، أو استمناء فقد اختلفوا هل يجب عليه بدنة أو شاة كفدية الأذى ؟ وأما بالنسبة لفساد حجه فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يفسد بغير الوطء في الفرج .

وأما إن حصل الجماع بعد التحلل الأول فإن حجه لا يفسد وعليه ذبح شاة أو بدنة على خلاف بين العلماء ، والمرأة في وجوب الفدية مثل الرجل إذا كانت مطاوعة له .

- دم جزاء الصيد

وهو الدم الواجب بسبب قتل المحرم للصيد ، أو الإعانة على قتله بإشارة أو مناولة أو ما أشبه ذلك ، فيجب فيه دم المثل لما قتل يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم لقوله تعالى : {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } (المائدة: 95) ، وله أن يقوم المثل ويشتري بقيمته طعاما يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوما لقوله تعالى في الآية السابقة : {أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } (المائدة: 95)، فالواجب فيه إذا على التخيير .

شروط الهدي

ويشترط في الهدي ما يشترط في الأضحية ، وهو أن يكون من بهيمة الأنعام ( الإبل ، والبقر ، والغنم ) ، وأن يبلغ السن المعتبر شرعا ، بأن يكون ثنيا من ( الإبل والبقر والمعز ) ، أو جذعا من الضأن ، والثني من الإبل ما تم له خمس سنين ، ومن البقر ما تم له سنتان ، ومن الغنم ما تم له سنة ، والجذع من الضأن ما له ستة أشهر ، كما يشترط أن يكون سليما من العيوب التي تمنع الإجزاء فلا تجزئ العوراء البين عورها ، ولا العرجاء البين عرجها ، ولا المريضة البين مرضها ، ولا العجفاء التي لا مخ فيها.

وأفضلها الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم ، وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة أو سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، لقول جابر رضي الله عنه - فيما رواه مسلم - : " حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة "  .

والأفضل ما توافرت فيه صفات التمام والكمال كالسمن ، وكثرة اللحم ، وجمال المنظر ، وغلاء الثمن لقوله تعالى : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } (الحج: 32) قال ابن عباس رضي الله عنه : "تعظيمها : استسمانها ، واستعظامها ، واستحسانها". وكان عروة بن الزبير رضي الله عنه يقول لبنيه : " يا بني لا يهد أحدكم لله تعالى من البدن شيئا يستحي أن يهديه لكريمه ، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له " .

ويستحب كذلك إشعار الهدي وتقليده إظهارا شعائر الله ، وإعلاما للناس بأن هذه قرابين تساق إلى بيت الله الحرام ، ويتقرب بها إليه ، والإشعار هو : أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها ، ويجعل ذلك علامة على كونها هديا فلا يتعرض لها ، والتقليد هو : أن يجعل في عنق الهدي قطعة جلد ونحوها ليعرف أنه هدي ، تقول عائشة رضي الله عنها : " لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فيبعث هديه إلى الكعبة " رواه البخاري .

وإذا عين هديه بالقول أو الإشعار أو التقليد لم يجز بيعه ، ولا هبته ، لأنه بتعيينه خرج عن ملكه وصار حقا لله تعالى .

محل ذبح الهدي ووقته

والهدي- سواء أكان واجبا أم تطوعا - لا يذبح إلا في الحرم سوى نوعين :

الأول : ما وجب بفعل محظور غير قتل الصيد ، فيجوز ذبحه في الحرم ، وفي الموضع الذي وجد سببه فيه .

الثاني : ما وجب بالإحصار فحيث أحصر .

وللمهدي أن يذبح هديه في أي موضع من الحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: ( كل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر ) رواه أبو داود .

ووقت الذبح يبدأ من يوم النحر إذا مضى قدر فعل الصلاة بعد ارتفاع الشمس قدر رمح ، ويمتد إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق على الصحيح ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لقوله - صلى الله عليه وسلم- ( كل أيام التشريق ذبح ) رواه أحمد .

ويستحب له أن يتولى نحر هديه بنفسه وله أن ينيب غيره ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بيده ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما بقي .

وله أن يأكل من هدي التطوع والمتعة والقران ، وأن يهدي ويتصدق بخلاف أنواع الهدي الأخرى ، والله أعلم .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة