- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:في رحاب آيات الحج
قال تعالى في محكم كتابه: {وأتموا الحج والعمرة لله} (البقرة:196)
نزلت هذه الآية -كما ذكر المفسرون- في الحديبية سنة ست للهجرة، حين صد المشركون المسلمين عن بيت الله الحرام، ولم يكن الحج قد فرض بعد، فالمقصود من الكلام في الآية العمرة، وذكر الحج تبشيرا للمؤمنين بأنهم سيتمكنون من الحج فيما بعد، وهذا من معجزات القرآن.
وقد بسط المفسرون القول في المقصود من الآية، ونحن نذكر خلاصة أقوالهم، فنقول:
اتفق أهل التفسير على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم؛ بمعنى أنه إذا شرع الحاج أو المعتمر في أعمال أحد هذين النسكين، فيتعين عليه إتمامه؛ بيد أن المفسرين تفاوتت أنظارهم في المقصود بقوله تعالى: {وأتموا} على أقوال حاصلها:
الأول: أن المقصود بإتمام الحج والعمرة، إتمامهما بعد الشروع فيهما، والدخول في أعمالهما، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس رضي الله عنهما.
الثاني: أن المقصود بذلك أن يحرم الحاج أو المعتمر من بيته، لا يريد إلا الحج والعمرة، دون غيرهما من الأعمال الدنيوية، وهذا قول علي وبعض الصحابة رضي الله عنهم جميعا، وقول سعيد بن جبير وغيره من التابعين رحمهم الله.
الثالث: أن معنى إتمامهما، إنشاؤهما جميعا من الميقات، وهو قول مكحول.
الرابع: إتمامهما يكون بإفراد كل واحد منهما عن الآخر؛ فعن عمر رضي الله عنه في قوله تعالى: {وأتموا الحج} قال: "من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما عن الآخر، وأن تعتمر في غير أشهر الحج" رواه عبد الرزاق.
وقد صوب الإمام الطبري في "تفسيره" من هذه الأقوال، قول من قال: المراد بالإتمام، إتمام أعمال الحج والعمرة بعد الدخول فيهما، والقيام بهما على الوجه الذي شرعا عليه.
ثم إن أهل العلم بعد ذلك، اختلفوا في حكم العمرة، هل هي واجبة أم سنة؛ فذهب الحنفية والمالكية إلى أنها سنة، وهذا هو مذهب جابر بن عبد الله وابن مسعود من الصحابة رضي الله عنهم، والنخعي من التابعين، رحمه الله. ولم ير أصحاب هذا القول حجة في الآية على القول بوجوب الحج أو العمرة، بل رأوا أن دلالتها قاصرة على وجوب إتمامهما لمن أحرم بهما، وقالوا: إن دليل وجوب الحج ليس مستفادا من هذه الآية، وإنما من أدلة أخرى، كقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} (آل عمران:97) وقال مالك: العمرة سنة، ولا نعلم أحدا أرخص في تركها.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بوجوب العمرة كالحج، وهو قول عمر وابن عمر وبعض الصحابة رضي الله عنهم، وقول عطاء ومجاهد والحسن من التابعين، وحملوا الأمر بالإتمام في قوله تعالى: {وأتموا} على معنى وجوب فعل هذين النسكين.
ثم في قوله تعالى: {لله} بعد الأمر بالإتمام ما يشير إلى أن المقصود من أداء هذين النسكين، وجه الله فحسب، وأنه لا ينبغي لمن يقوم بهما أن يقصد غير ذلك من متاع الدنيا، وهذا شأن العبادات خاصة، وأعمال المسلم عامة، فلا ينبغي أن يقصد بها غير وجه الله سبحانه، فهو المقصود أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56) وقال أيضا: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (البينة:5).
وبناء على ما تقدم يكون معنى قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة} أي: أتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد شروعكم ودخولكم فيهما، على الوجه الذي أمر الله به؛ إخلاصا لله وحده، ووفق السنن الذي شرعه لكم.
ومن أهم ما تدل عليه الآية أمران:
الأول: أهمية إتمام العبادات بعد الدخول والشروع فيها، يؤيد هذا قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} (محمد:33) ويستأنس لذلك بقول عائشة رضي الله عنها: (وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه) رواه مسلم.
الثاني: وهو الأهم، إخلاص النية لله في جميع العبادات، والإخلاص أحد ركني صحة العبادة وقبولها عند الله سبحانه؛ وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في دعائه: (اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا).