ولله على الناس حج البيت

0 997

قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران:97)

بدأ سبحانه هذه الآية والتي قبلها بالحديث عن محاسن البيت، وعظيم شأنه؛ ترغيبا للنفوس إلى قصده، وشد الرحال إليه، فذكر سبحانه أنه أول بيت وضع للناس، وأنه مبارك، وأنه هدى للناس، وأن فيه آيات بينات كثيرة، كمقام إبراهيم عليه السلام، وأنه مكان آمن للناس.

وبعد بيان منـزلة هذا البيت المبارك، أعقب سبحانه ذلك ببيان حكم هذه العبادة، فقال: {ولله على الناس حج البيت} بهذه الصيغة الدالة على الوجوب بأكثر من وجه، ذكرها المفسرون.

وقد أجمع العلماء على الاستدلال بهذه الآية على وجوب الحج، وأجمعوا كذلك على أن الحج واجب في العمر مرة على من ملك القدرة عليه، وإن اختلفوا في أن الوجوب هل هو على الفور، أو على التراخي؟ كما سيتبين بعد.

روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟! فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم).

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعجلوا بالحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)، وفي رواية أخرى له: (من أراد الحج فليتعجل).

وفي أثر صح سنده إلى عمر رضي الله عنه، قال: (من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا) ولم يصح بهذا المعنى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم قال العلماء: و(الاستطاعة) على نوعين: استطاعة بالنفس، وهي قدرة الإنسان على أداء فريضة الحج بنفسه، من غير أن يعهد بها إلى غيره. واستطاعة بالغير: وتكون عندما يعجز الإنسان عن أداء هذه الفريضة بنفسه، فيعهد بأدائها إلى غيره؛ يشهد لصحة هذا النوع، ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع، فقالت: إن فريضة الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال: (نعم، حجي عنه، أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟) قالت: نعم، قال: (فدين الله أحق أن يقضى) متفق عليه؛ وهذا الحديث أصل في مشروعية النيابة في الحج عند العجز.

وقوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا} للعلماء أقوال في تفسير (السبيل) الوارد في الآية؛ فقال ابن عباس رضي الله عنه: (السبيل) ملك الزاد والراحلة. وعلى هذا، فإذا كان المسلم مالكا لما يوصله إلى أداء فريضة الحج، وكان مالكا كذلك لما ينفقه على حاجاته، من طعام وشراب ومسكن زائدا عن حاجة من يعولهم، فقد وجب الحج عليه، وإلا فهو غير مالك للسبيل.

وقال عكرمة: المقصود بـ (السبيل) الصحة، فإذا كانت صحة الإنسان لا تمكنه من أداء فريضة الحج، فهو من الذين لا يملكون السبيل.

وقال مالك: (السبيل) القدرة، والناس على قدر طاقتهم وسيرهم وجلدهم.

قال أهل العلم: جاءت كلمة (السبيل) في الآية نكرة؛ لتفيد أن الحج واجب على المسلم، على أي سبيل تيسرت، من قوت ومال.

وحاصل تلك الأقوال، أن المقصود بـ (السبيل) أن يملك من يقصد الحج من الوسائل المادية والمعنوية ما يمكنه من أداء تلك الفريضة، من غير أن يفوت واجبا عليه، كواجب النفقة على عياله، ونحو ذلك. وللعلماء تفصيل في هذه المسألة، ليس هذا مكان بسطه.

ثم إن ظاهر الآية أنه إذا تحققت (الاستطاعة)، وجب الحج على الفور، دون تأخير، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم.

وقال الشافعي: إن الحج واجب على التراخي، بمعنى أن الحج لا يجب وقت الاستطاعة، بل يمكن تأخيره لفترة، لكن يكره التأخير لغير حاجة، لأن المسارعة إلى الطاعة أولى وأثوب.

وقوله تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} بين سبحانه في خاتمة هذه الآية أنه غني عن عبادة عباده، وأنه تعالى لا حاجة له إلى حج أحد، فهو الغني الحميد، لا تنفعه طاعة مطيع، ولا تضره معصية عاص. وفي الآية ما يشعر بمقت الله ووعيده لكل من تنكب طريق الهداية والرشاد، وأعرض عن شرعه سبحانه.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة