وقفة مع أصحاب حملات الحج

0 973

لا يستطيع أحد إنكار الدور العظيم الذي تقوم به حملات الحج في تيسير أداء هذا النسك العظيم، فبعد أن كان الناس يعانون في الماضي من مشقة السفر وصعوبة البحث عن الرفقة الآمنة، إذا بتلك العقبات تزول بفضل الله ثم بما تقوم به تلك الحملات مشكورة طيلة مراحل الرحلة، من تسهيل لأسباب السفر وتوفير لأماكن الراحة ومساعدة للحجاج على إتمام النسك على أكمل وجه، خصوصا مع الحملات ذات الكفاءة العالية والخبرة المتميزة.

ومع تثميننا للجهود المباركة التي تقوم بها تلك الحملات، إلا أن ذلك لا يمنع من تسليط الضوء على بعض السلبيات التي صاحبت مسيرتها من أجل مزيد من الارتقاء بمستواها، وتنبيها لغيرها من الوقوع فيما وقع فيه غيرها.

ويأتي في مقدم تلك السلبيات الحديث عن المغالاة الحاصلة في أسعار بعض الحملات بما لا يتوافق مع الخدمات المطروحة من قبلها، فترى المسكن الذي تم اختياره ووسائل المواصلات التي يركبها الحجاج ونوعية الطعام الذي يتم تقديمه لا يتوافق أبدا مع المبلغ الذي تطلبه الحملة، الأمر الذي أسهم في التقليل من مصداقيتها، وكان سببا في عزوف بعض الناس عن أداء الحج، وتكلف البعض الآخر في السؤال والاستفسار عن الحملات المختلفة التي تلتزم المصداقية.

قضية أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي عدم التزام بعض تلك الحملات بالعقد الذي تم بينها وبين الحاج، فقد يشترط الحاج قرب الفندق الذي يسكن فيه من الحرم، ويشترط مستوى معينا من الطعام والمسكن في منى وفي عرفة، ثم يكتشف عند وصوله مدى التحايل الحاصل في وصف موقع السكن، والفرق الشاسع بين ما كان يتوقعه من خدمات وبين ما يراه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد نبه على ضرورة إيفاء الشروط فقال: (والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما) رواه الترمذي .

ومما ينبغي الإشارة إليه ما يحصل من تهاون بعض أصحاب الحملات في تطبيق بعض السنن بل الواجبات؛ حرصا على توفير الجهد أو المال، ويظهر ذلك في قيامها بإرغام الحجاج جميعا على الدفع مبكرا من مزدلفة إلى منى على الرغم من كونه رخصة لذوي الأعذار فقط، وبذلك يفوتون عليهم فرصة البقاء في مزدلفة وأداء الواجب وتطبيق الشعيرة على الوجه الأكمل.

ومن الملاحظات المهمة ما يحصل من تقصير بعض الحملات في توعية الحجاج بما يتعلق بالمشاعر والعبادات المختلفة سواء قبل أداء الرحلة أو في أثنائها، ومن المعلوم أن الذي يحج للمرة الأولى قد يخطئ في تطبيق ما تعلمه، وبالتالي فهو بحاجة إلى التوجيه المستمر، كما أن للتعريف بمواضع المشاعر المقدسة وذكر ما يتعلق بها له أثره البالغ في نفوس الحجاج وعقولهم.

في حين تشهد بعض الحملات وجود اضطراب وتناقض في الفتوى بين أصحاب الحملة الواحدة نتيجة عدم وجود توافق أو تنسيق بين المرشدين والمفتين فيها، فيضيع الحجاج بين الآراء المختلفة.

وبخصوص الحملات البرية، يلحظ عدم قيام بعضها بتوفير أكثر من سائق للحافلة الناقلة، بحيث يمكنهم تبادل الأدوار أثناء السير، ما يجعل الجهد مضاعفا على السائق، ويعرض أرواح الحجاج للخطر، كما حصل في بعض الحوادث التي راح ضحيتها العديد من الناس.

وواجب العدل والإنصاف يقتضي أن ننبه على حقوق بعض العاملين في تلك الحملات، الذين يكابدون أنواع المشاق، ويتحملون المصاعب في سبيل إنجاح الرحلة، ثم يحصلون على مكافآت لا تساوي شيئا أمام ما بذلوه من جهد، أو يجدون مماطلة في دفع مستحقاتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بحقوق العامل فقال: ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) رواه ابن ماجه .

ويمكننا أن نضيف إلى ما سبق عددا آخر من الملاحظات نجملها فيما يلي:

- الضعف الإداري الموجود في بعض الحملات وما ينتج عن ذلك من اختلال في نظام الرحلة وتأخير في الأوقات وضياع للجهود والمجهود.

- عدم استفادة أصحاب الحملات الجديدة من خبرة من سبقهم.

- الاهتمام باحتياجات الرجال مع إغفال النساء، ولا سيما فيما يتعلق بالتوعية الدينية والإرشادية.

- استخدام أيد عاملة رخيصة، لم يسبق لها الحج، بحيث لا يمكنها مساعدة أفراد الحملة في الظروف المختلفة.

- عدم وجود استعداد مسبق للتعامل مع الظروف المختلفة، كحوادث الحريق والسيول التي تجتاح المشاعر، أو الحالات المرضية والإصابات المختلفة، أو حل مشكلة الضياع، والتي يمكن تجنبها بتوفير بطاقات خاصة تمنح للحجاج، يكتب عليها اسم الحاج والدولة التي أتى منها، والحملة التي ينتسب إليها، وهذه الخطوة تسهم بشكل كبير في مساعدة الضائعين والتعرف على المتوفين منهم.

- الإسراف والتبذير الذي يرافق بعض الحملات، ويظهر ذلك جليا من خلال الإعلانات والحملات الترويجية التي يقوم بها أصحابها رغبة في اجتذاب الزبائن، حتى تحول الحرص على توفير وسائل الراحة والوصول بالحملة إلى التميز في الخدمات وتأمين ما هو ضروري إلى رغبة جامحة في التنافس المذموم على مسائل الطعام والسكنى بما يتناقض مع مقاصد الحج وأهدافه.

- عدم الاهتمام بخدمة الحاج نفسه، في ظل إصرار بعض الحملات على توفير حافلات نقل غير مكيفة، وسكن غير مريح تنقصه الخدمات الأساسية، ويبعد عن الحرم مسافة تعيق سهولة التحرك من وإلى الحرم.

تلك إشارة مجملة إلى أهم النقاط السلبية في سلوك حملات الحج، ولا يعني ذكرها وجودها في كل الحملات، فإن الواقع يشهد بالتميز في بعض الحملات التي تشكر على صنيعها، ويبقى الكمال لله وحده.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة