المراهقة مرحلة انتقالية وليست أزمة

1 969

لا ليس هذا ابنى، إنه شخص آخر غير التى ربيته فى حضنى، إنه فتى هائج مائج، رافض، متمرد على أبيه وأمه وأسرته، ووضعه المادى والاجتماعى، رأيه فقط الصواب، وكل ما سواه خطأ وتخلف ورجعية وخنقة.

شكوى تتردد على ألسنة العديد من الأمهات والآباء بعدما كبر الصغير، وأصبح فتى يافعا، وبدأ ينسلخ من طفولته، ويحاول أن يثبت أنه رجل.

إنها رحلة المراهقة، تلك الرحل الفاصلة بين حياة الطفولة وحياة النضج، بين مرحلة الاعتماد على الغير، والاستقلال بالنفس، بين الحياة فى كنف الأسرة، والتطلع إلى حياة يصوغها المرء بنفسه لنفسه، وكل مرحلة انتقال مرحلة حرجة، وفى أكثر الأحيان يتضافر الجهل، وسوء الفهم على جعل مرحلة المراهقة أزمة تهدد المراهق والمسئولين عنه بخطر جسيم.

فكيف نتعامل مع المراهق حتى يعبر ونعبر هذه المرحلة بسلام؟

طبيعة المرحلة
يقول د. سبوك - الخبير التربوى الشهير - إن عيبنا جميعا هو أننا ننظر إلى المراهقة على أنها فترة مرضية، ولا ننظر إليها كمرحلة طبيعية مر بها كل واحد منا.

إن المراهق إنسان يبحث عن النضج، ومهمتنا هى توضيح الطريق والإرشاد، فالمراهق يحتاج إلى إرشادنا ويتمناه، بشرط أن نقدمه له بصداقة.

فبينما يرى الوالدان أن الأبناء ينقصهم الخبرة، ويحتاجون إلى الإرشاد والتوجيه، يرى الأبناء أن إرشاد الوالدين هو نوع من السيطرة مهما كان هذا الإرشاد ضروريا، ويقع بعض الآباء فى الخطأ عندما يتشددون فى بعض الأمور، ويتساهلون فى بعض الأمور دون منطق ما، وهكذا يجد الشاب ما يبرر له اتهام الآباء بعدم المعقولية فى النصح.

فما أن يبدأ الطفل ولوج سن المراهقة حتى نفاجأ - نحن الآباء والأمهات - بأنه يقدم لنا أكثر من طلب يومى باعتباره كائنا مستقلا له كرامة، وأنه جدير بذلك، وأن الاستقلال حق له، وأن احترامه وتوفير ما يريده مسألة مقدسة.

إنه يقدم لنا هذه المفاجأة يوميا وكل لحظة، ولا يمكن أن يتنازل عنها، إن إنسانا تحت العشرين يصر على الحرية والاستقلال، لا بد أن يناقش ويفاوض ويحارب على جبهتين فى وقت واحد: الجبهة الأولى هى جبهة عدم استقراره وتخلخل ثقته بنفسه وتردده، والمخاوف التى تملأ أعماقه، والجبهة الثانية هى الكبار الذين يتصدون لرغبته فى إثبات ذاته واستقلاليته.

تطور ذهنى وجسدى
وتوضح الدكتورة ويتا مرهج - أستاذة علم النفس فى الجامعة الأمريكية ببيروت - فى كتابها أولادنا من الولادة حتى المراهقة أن تطورا فكريا جوهريا يطرأ على المراهق، كما يطرأ عليه تغيرات جسدية عديدة، مما يؤثر على تصرفاته، ويجب على الأهل ألا يسيئوا فهم هذه التصرفات التى قد تبدو فى معظمها سلبية ومزعجة، بل أن يفهموها فى إطار افتقار المراهق للخبرة الكافية فى التعامل مع التغيرات الجديدة التى تطرأ عليه، ومن أهم التصرفات التى تلاحظ على المراهق:

1 - الجدل والمناقشة:
بعدما كان صغيرا يسمع الكلام، ويقتنع بكل ما يقال له أصبح الآن مناقشا، ينظم الأفكار وكأنه محام يدافع عن قضية، فلا يكتفى بجواب بسيط ومباشر لأسئلته، بل يريد ألف حجة، وغالبا لا يقتنع بها، بل يناقضها جميعا، بل أحيانا يناقش فقط للمناقشة، وعلى الأهل أن يدركوا أنه طالما بقيت هذه المناقشات مركزه على موضوع الحوار مع الوالدين أو أحدهما ولا تنتهى بشجار أو عراك، يؤذى كلا الطرفين، فإنها تسهم فى الإسراع بعملية التطور عند الشاب أو الفتاة، فمن خلال هذه المناقشات للقوانين والقيم العائلية، يصبح المراهق أكثر إدراكا لهذه القيم ولأسباب وجودها، ويتبنى الكثير منها لاحقا فى حياته.

2 - التمحور حول الذات:
يهتم المراهق بشكل مبالغ فيه بأفكاره، ومظهره، وتصرفاته، وكأنه دوما على خشبة المسرح، مقتنعا بأنه محط أنظار واهتمام الجميع، ومن هنا يمضى الوقت الطويل فى استكشاف نفسه فى الحمام، وأمام المرآة، متخيلا أن كل شخص فى محيطه يرقبه بحذر، وهذا  يفسر سر تأثره بانتقادات الآخرين، وظهور الخجل الشديد فى بعض الظروف الاجتماعية، ولذلك فإن أية ملاحظة سلبية من قبل والديه أو معلميه، أو حتى الأصدقاء تؤلمه بشدة، لذلك ننصح الأهل بأخذ ذلك بعين الاعتبار، وعدم توجيه اللوم أو الانتقاد اللاذع للابن المراهق أمام الآخرين، بل التحدث معه على انفراد بترو وصراحة.

ويشعر المراهق أيضا بأهميته المتزايدة، فهو مميز وفريد، ويستطيع أنت يرى نفسه فى أعلى قمم المجد، كما فى أدنى مستويات اليأس، وهذا يفسر طموحات المراهقين التى تتناقض مع الحياة العائلية الاعتيادية الروتينية والمملة بنظرهم، والتى لا يوجد بها من يحس بهم أو يفهمهم.

المثالية والنقد
مثالية المراهق تجعله يبنى تطلعات سامية إلى عالم كامل من دون ظلم ولا بؤس، ثم يصر على أن يطابق الواقع مع هذا العالم المثالى، لذلك لا يتحمل تفاعلات الحياة اليومية، وهذا ما نسميه الفجوة بين الأجيال: جيل الوالدين وجيل المراهق، وهذه الفجوة تخلق الكثير من التوتر فى العائلة، فيصبح الفتى دائم النقد لأهله وإخوته الذين لا يطابقون العائلة المثالية التى يحلم بها.

إن كل الملاحظات المؤلمة التى يوجهها المراهق لأهله قد تبدو بغيضة وغير مناسبة، ولكنها لها محاسن على المدى البعيد؛ حيث يتعلم المراهق أن للناس حوله نقاط ضعف ومواطن قوة.

فعلى الأهل مساعدة أولادهم فى صياغة توازن أكبر بين المثالى والواقعى، ويتم ذلك من خلال تحملهم الصبور لهذه الانتقادات مهما كانت لاذعة، وتذكيرهم بأن كل الناس ومنهم هؤلاء الأولاد هم مزيج من الفضائل والنواقض.

الحيرة أمام البدائل
يصبح المراهق أكثر قدرة على تنظيم وقته، وتحديد أولوياته عما قبل، ولكن هذه القدرة تظل فقط قاصرة على المجال الفكرى، ولا تمتد إلى أمور الحياة اليومية؛ إذ إن المراهق يبدو ضائعا حائرا مترددا أمام كل الخيارات المتوفرة أمامه، فمثلا فتاة فى الثانية عشرة من عمرها نراها كل صباح قبل أن تخرج تجرب خمسة أو ستة ملابس، وبالطبع لا ترجع أى منها إلى الخزانة، وقد تستشير والدتها، ولكن لا تأخذ برأيها أبدا، وفى النهاية تعود وتختار اللباس الذى ارتدته بالأمس وقبل الأمس.. وهكذا.

وترتبط نسبة نجاح المراهقين فى دراستهم بمجموعة من العوامل الشخصية والاجتماعية، فالبيئة العائلية السليمة، ونوعية المدرسة التى يرتادها الولد تساعد على حفز الخصائص الإيجابية مثل الرغبة فى النجاح والطموح.

فقد أكدت الدراسات أن التفوق الدراسى مرتبط بنمط تربوى متفتح يفرض السلطة فى المنزل دون تشنج أو تصلب بالمواقف، ويوفر العطف والحنان، والتفهم للأولاد مع منحهم الفرص الملائمة للنضوج والتعبير.

وبالمقابل يؤدى الأسلوب التربوى المتسلط جدا، وكذلك المتسامح جدا إلى تأخر المراهق دراسيا، أما الأسلوب المتقلب بين التسامح والتسلط، فيؤدى إلى أدنى مستويات الإنجاز المدرسى.

حماية بدون تسلط
ويتفق الخبيران التربويان د. سبوك، ود. ريتاوهج على أنه برغم حاجة المراهق إلى الحرية ليختبر الحياة، فإنه بحاجة دائمة إلى الإرشاد والحماية، فالتربية الفعالة فى البيت تؤمن للمراهق الانتقال السلس من الارتباط الوطيد الآمن بالأهل إلى الانفصال عنهم، وكل الدراسات تشير إلى أن الجو الدافئ والمتقبل داخل الأسرة، مع الإرشاد الحكيم غير المتسلط يؤديان إلى مراهقة متوازنة ومتكيفة.

ومن الطبيعى جدا أن يمر الفتى بمرحلة ينظر فيها إلى والديه باعتبارهما مثاله الأعلى، بل يصبحان مجرد أناس مثل بقية الناس، وعندما يحدث ذلك نلاحظ أن الخضوع لسلطة الوالدين يخف بشكل ملحوظ، وهكذا تنشأ الاحتكاكات السلبية والتشنجات بين الأهل والولد، وهى ناتجة عن اختلاف جذرى فى وجهات النظر، فالوالدان يتطلعان إلى أمور عديدة (مثل: ترتيب الغرفة أو تحديد موعود العودة، أو تأدية الواجبات المدرسية) كأمور ذات أهمية مشتركة لكل الأسر، بينما ينظر إليها المراهق كأمور شخصية بحتة لا يحق لأحد أن يتدخل فيها.

وينصحان كل أبوين بما يضمن لهما تعاملا ناجحا مع الابن المراهق وهذه النصائح هى:

-   أن يحرص الوالدان على احترام مبدأ القرار المشترك مع أبنائهما ويعملا بشكل تدريجى يتلاءم مع عمر الولد على السماح له بالمزيد من الاستقلالية.

-   المناقشة المفتوحة مع الأبناء، والتى تمزج بين التفهم من جهة وصلابة الموقف من جهة أخرى، مما يجعل المراهق يشعر بأن آراءه مهمة ومقدرة، ويشجع التفكير البناء وضبط النفس.

-   إشراف الوالدين بشكل دقيق على إنجازات أولادهم المدرسين وبناء علاقات مع المدرسين والمدرسة.

إن المراهق عندما يوشك على تخطى سنى المراهقة يحاول أن يؤكد الاستقلال، إنه يريد أن ينعزل عن عالم الجيل القديم، وأن يؤكد قيم الجيل الجديد من تسريحة الشعر، ومن أزياء الملابس، ويغرق فى الهوايات، ويمارس الطريق إلى النضج.

والمهم هو فهم حقيقة أساسية هى أن المراهق يحتاج إلى التوجيه والصداقة، وأن نرسم معه الحدود، وأن نحاول دائما تشجيعه على النجاح والانطلاق، فلا داعى للارتباك أو الخوف أو اليأس، ولكن المطلوب هو الكثير من الفهم، والكثير من الصبر لنقتل اليأس، ونستقبل بالثقة مستقبل الأبناء.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة