وسائل الإعلام.. وخراب البيوت

0 949

 (سى السيد) ذلك الرجل الزائغ العينين الذى يغازل جميع النساء، ما عدا زوجته.. ، وتلك الزوجة المستسلمة الصابرة على قدرها فى تربية أبنائها، وحرصها على استقرار أسرتها

وهذه الزوجة الخائنة التى تركت زوجها وابنها، وانساقت وراء عاطفة مجنونة تجاه شاب آخر فى سياق بدت معه هذه الزوجة بمثابة ضحية ظروف اجتماعية قاسية، وزوج ظالم طاغ فحازت تعاطف المشاهدين.

وهذا الزوج التعيس فى حياته الزوجية الذى ينتظر صدرا حنونا يعوضه تعاسته ويغدق عليه الحنان والاهتمام المفقود

عشرات الإعلانات والكليبات التى تقتحم البيوت الآمنة بسيل من المثيرات والإيحاءات التى تخدش الحياء، وغرف الدردشة، والـ SMS وغيرها من تقنيات الإعلام والاتصال التى غزت واقعنا، وبعضها يهدد مستقبل بيوتنا؛ فإلى أى مدى تعكس وسائل الإعلام والاتصال الواقع المصرى والعربى، وتعبر عنه، أو تسعى لتنميطه وتعميم سلبياته، وكيف نتغلب على سوءات هذه التقنيات الحديثة ونوظف إيجابياتها فى حماية سياج الأسرة لا تدميرها، هذا هو السؤال الذى يسعى تحقيقنا للإجابة عنه..

ترى الدكتورة ليلى عبد المجيد - وكيلة كلية الإعلام جامعة القاهرة - أن بعض ما يقدم فى وسائل الإعلام يقوم بعمل تنميط للنماذج البشرية، أو لبعض السلوكيات الاجتماعية، أو لدور المرأة، فتأخذ الدراما مثلا جزءا من الواقع وتقدمه على أنه كل الواقع، وهذا خطأ إعلامى كبير؛ لأن الدراما بصفة خاصة تحظى بمشاهدة عالية فيأخذ المشاهد ما يقدم فيها، ويختزنه، ويستدعيه فى المواقف المشابهة، ويحاول تقليده أو الاقتداء به.

وهذا يفرض على الإعلام نوعا من التوازن فيما يعرضه، ويتطلب من النقاد والمفكرين تقديم مناقشة نقدية واعية لما يقدم فى وسائل الإعلام.

وعموما؛ فإننا نقول: إن أى وسيلة إعلامية ليست خيرا أو شرا فى ذاتها، فالذي يحدد اتجاهها هو استخدامنا لها، وبالنسبة لوسائل الاتصال الحديثة كالنت والموبايل، ولا ننكر أن لهما إيجابيات كثيرة تربطنا بالعالم، وتوفر لنا قاعدة معلومات ضخمة فى كل المجالات، وهذا جيد، إلا أن البعض قد يسيء استخدامها، ويوجهها لإشباع نزواته المجنونة بعيدا عن الإطار المشروع  أو المقبول، كأن يستخدم الدردشة فى التعرف على امرأة أخرى - أو رجل آخر - بحجة التواصل، وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية، ولا يدرى أن هذه الدائرة قد تتسع إلى أكثر مما يستطيع أن يسيطر عليها، فتكون سببا فى ضياعه أو تشريد أسرته، والكلام ذاته يقال بالنسبة للمرأة.

خلل فى التربية
وهذا يعكس فى جوهره خللا فى التربية، وعدم تعويد الطفل منذ الصغر على كيفية التعامل مع هذه الأجهزة برؤية انتقائية واعية لما ينبغى أن يرى، وما لا ينبغى أن يراه أو يتابعه.

وألقت د. ليلى على وسائل الإعلام ذاتها مسئولية زيادة وعى وخبرة الجماهير بخطورة الانحراف بهذه الوسائل عن هدفها ومقصدها فى تدمير الأسرة، ومن ثم فى زعزعة تماسك واستقرار المجتمع.

بلا مرجعية حضارية
أما أ. فاطمة الزهراء محمد - المدرسة المساعدة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة - فتقف عند مرجعية الإعلام المصرى والدراما التى يقدمها هذا الإعلام، وتقول: إنه يفتقد المرجعية الحضارية التى تتيح له معالجة القضايا الاجتماعية ضمن المنظومة القيمية للمجتمع، فتبدو الأعمال المقدمة وكأنها مقدسة؛ لأنها صادرة عن أديب تم تقديس أعماله، بغض النظر عن قيمة العمل الذى يقدمه ومدى ارتباطه بواقعنا وقيمنا.

وتؤكد أ. فاطمة الزهراء أن الأعمال الأدبية حين تتحول إلى دراما تصير أداة للتغيير الاجتماعى حينما تؤثر فى اللاوعى الجماعى عند الرجل والمرأة من المشاهدين، ومن ثم تصبح هذه الأعمال بمثابة مرجعية بديلة فى لاوعى الجمهور يستحضرها فى المواقف المشابهة، فحين تكتشف المرأة مثلا أن زوجها يعرف امرأة أخرى، أو له علاقة بأخرى قد تتصرف بطريقة معينة؛ لأنها شاهدت بطلة هذا الفيلم أو ذاك تتصرف كذلك حين اكتشفت خيانة زوجها.

وهكذا يغذى الواقع هذه المشاهد المشوهة، ثم تحدث التغذية الاسترجاعية فى الواقع نتيجة تعرض الجمهور لهذه المشاهد، وغالبا ما ينساق المراهقون لتمثل هذه الشخصيات السينمائية التى تزيل لديهم أى محرمات أو تحفظات دينية أو أخلاقية أو اجتماعية، فيتم تقمص هذا النموذج السينمائى باعتباره مرجعية لهؤلاء الشباب والمراهقين.

نتيجة لا سبب
وحول استخدام وسائل الاتصال الحديثة فى تسهيل الخيانة الزوجية، تقول أ. فاطمة الزهراء: إن سوء استخدام وسائل الاتصال الحديثة نتيجة وليس سببا، بمعنى أن عدم وعى كل من المرأة والرجل بدوره، وعدم وجود منظومة قيمية متفق عليها للحفاظ على الأسرة يجعلهما عديمى القدرة على مقاومة أى وافد غريب يريد تدمير الأسرة، والتكنولوجيا فى ذاتها وسيلة للارتقاء بالحياة، وليست سببا للتدمير والإيذاء.

ولكن حينما تتغلب الأنانية على أى من الزوجين أو كليهما، ويسعى كل منهما إلى تحقيق أهدافه ورغباته الذاتية مضحيا بمصلحة الأسرة أو الجماعة يصبح الوضع وكأنه اتفاق ضمنى بينهما على إفساد الأسرة وتدميرها.

فالمشكلة إذن ليست فى هذه التقنيات فى ذاتها، وإنما فى فساد من يستخدمونها فى غير أغراضها، فهناك بعض الزوجات يستخدمن الإنترنت فى الاتصال بأزواجهن فى الغربة وإشراكهم فى قرارات الأسرة، وكأنهم يعيشون معا، وكذلك رسائل SMS أيضا تعد وسيلة جيدة للتعارف والتواصل الاجتماعى بين الأصدقاء والأقارب إلى جانب التواصل بين الزوجين أثناء غياب أى منهما عن الآخر.

بينما يستخدمها آخرون فى إفساد ذات البين، وفى هز أركان الأسرة فى علاقات طائشة قد تدمر حصن الأسرة على أصحابه بسبب فساد العقول التى فكرت فى استخدام هذه الوسائل بشكل خاطئ .

طوق النجاة
وتقرر أ. فاطمة أننا إذا كنا فى عصر لم نعد نستطيع فيه أن نعزل أنفسنا عما حولنا؛ فإننا نملك طوق النجاة للأجيال القادمة، وهو تربية أبنائنا تربية إسلامية متينة وأخلاقية، والسير على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى إعلاء قيمة ممارسة الرياضة فى استيعاب طاقات الأبناء وتوجيهها توجيها سليما، مع ضرورة متابعة العملية التعليمية للأبناء بشكل يرتقى بمهاراتهم، ويشعرهم باهتمامنا بهم، وحرصنا على تفوقهم مما يخلق لديهم حافزا للتفوق والجدية فى الأداء، ولا ننسى أن حفظ القرآن، ومشاركة الأبناء فى اللعب والمرح، وإشاعة جو من الألفة والمحبة داخل الأسرة فى إطار منظومة القيم التى يعيش الجميع فى ظلها ستتيح للوالدين مراجعة أى تفكير منحرف عن هذه المنظومة، وتقويمه من خلال الحوار الحر المنضبط بين أفراد الأسرة.

أما د. راوية بنت أحمد الظهار - أستاذة الفقه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة - فتنبه إلى خطورة الدعاية والإعلان والكليبات الهابطة، وما تقوم به من أدوار فى زعزعة الثوابت فى نفوس الشباب والرجال والنساء، وفى الترويج لصور مرفوضة للعلاقات؛ ففى الإعلانات ترى المرأة المتبرجة السافرة التى تسير أمام الرجال فتدير رءوسهم برائحتها ومشيتها فيلحقوا بها، وكذلك الإعلانات التى يقدمها شباب ورجال يتسمون بالوسامة والأناقة؛ فهؤلاء الرجال يخلقون لدى النساء مجالا للمقارنة بينهم وبين أزواجهن فيكون هذا مدخلا؛ إما للنكد الزوجى أو الخيانة الزوجية.

وكذلك الأغانى والكليبات الهابطة التى تعرض صورة المرأة بشكل غير لائق قد تؤدى إلى كثير من الخيانة الزوجية، وهذا ما تؤكده الإحصاءات والبيانات الصادرة عن المنظمات الدولية التى تعنى بشأن المرأة، فالزوج قد يطلب من زوجته أن تؤدى نفس ما تؤديه العشيقة فى الفيلم أو الكليب الذى شاهده وعلق فى ذهنه، وكذلك الزوجة قد ترى فى زوجها نموذجا مغايرا لما رأته فى وسائل الإعلام، مما يؤدى إلى الكثير من الخلافات الزوجية وأسباب الشقاق.

وهذا يفرض علينا استنكار مثل هذه الأمور قولا وفعلا، وبيان سلبياتها وتوعية المجتمع بمقاطعة الإعلانات والكليبات التى تستخدم هذه الأساليب المثيرة فى ترويج سلعها، أو فى الدعاية لفكرتها، وبالنسبة لوسائل الإعلام فعليها أن تعرض وجهة نظر الإسلام حول قضايا المرأة لوقف أثر الإعلام المضاد.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة