- اسم الكاتب:صلاح الأمة في علو الهمة
- التصنيف:محاسن الأخلاق
مما لا شك فيه أن الهمة رزق من الله تعالى يمن به على من يشاء من عباده ، ومن حكمته سبحانه أن فاضل بين عباده في قواهم العملية كما فاضل بينهم في قواهم العلمية ، لكنه جعل لعلو الهمة أسبابا إذا أخذ بها العبد علت همته وارتقت نفسه ، ونحن نعرض في إيجاز لبعض هذه الأسباب عسى أن يمن علينا اللطيف الخبير بعلو الهمة .
فمن هذه الأسباب :
(1) الإخلاص:
فنسيان رؤية المخلوقين بدوام النظر إلي الخالق تبارك وتعالى يحث على الأخذ بمعالي الأمور ؛ لأن الناقد بصير.
يقول الإمام بن القيم رحمه الله :
لقاح الهمة العالية: النية الصالحة ، فإذا اجتمعا بلغ العبد المراد.
(2) الصدق:
فالصادق في عزمه وفي فعله صاحب همة عالية وبصدقه في العزم والفعل يسعد في الدارين ، فصدق العزيمة الجزم وعدم التردد ، وصدق الفعل هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لتحقيق ما عزم عليه ، فيأمن صاحب العزم الصادق من ضعف الهمة والإرادة ، و يمنعه صدقه في الفعل من الكسل والفتور.
(3) العلم:
فمن استوى عنده العلم والجهل ، أو كان قانعا بحاله وما هو عليه ، فكيف تكون له همة أصلا ؟ فالعلم يرتقي بالهمة ، ويرفع طالبه عن حضيض الجهل والتقليد ويصفي نيته.
" والعلم يورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال، فتبقى فضول المباحات التي تشغله عن التعبد – كفضول الأكل والنوم – ويراعي التوازن والوسطية بين الحقوق والواجبات ، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: " أعط كل ذي حقه حقه" .
ويبصره بتحيل إبليس وتلبيسه عليه ، كي يحول بينه وبين ما هو أعظم ثوابا ". (علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل ).
قال ابن القيم رحمه الله : ( إن السالك على حسب علمه بمراتب الأعمال ونفائس الكسب ، تكون معرفته بالزيادة والنقصان في حاله وإيمانه ) .
(4) اليقظة والمسارعة:
بحيث يفارق العبد بيقظته جموع الغافلين ، ويعرض عن أفعال الجاهلين ويخلع ثوب النوم والرقاد ، فلا يقر له قرار حتى يسكن في جنة عرضها السموات والأرض :
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلي أوطاننا ونسلم
فلا ينبغي لمن أراد الارتقاء بهمته أن يرتمي في أحضان الغافلين وإلا عض أسنة الندم.
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الجوشن الضبابي بعد بدر إلى الإسلام ، فقال : "هل لك إلى أن تكون من أوائل هذا الأمر؟" . قال: لا. قال: "فما يمنعك منه؟". قال : رأيت قومك كذبوبك وأخرجوك وقاتلوك ، فأنظر: فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك ، وإن ظهروا عليك لم أتبعك ..فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا ما علا المرء رام العلا ويقنع بالدون من كان دونا
(5) الحزم وعدم التردد :
فإن التردد يفوت على العبد الفوز بالخيرات ، ويبقيه في مكانه في الوقت الذي يسير فيه الركب فيصل الحازم إلى مبتغاه ، وصدق القائل :
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا
وقال آخر :
ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا ظفر ولا إخفاق
فلا تتوقف مترددا أو قلقا ، ولا تضيع نفسك بالشكوك التي لا تلد إلا الشكوك ، واستمع إلى قول ربك :
( فإذا عزمت فتوكل على الله ). وقوله :
( فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ).
(6) معرفة قيمة النفس وشرفها:
وليس المقصود بهذا أن يغتر العبد أو يعجب بنفسه ويتكبر ، إنما المقصود أن يعلم أنه في الخليقة شيء آخر لا يشبهه أحد ، فيحرص على أن يرفع قيمته ، ويغلي ثمنه بعمله الصالح ، وبعلمه ونبوغه ، واطلاعه ومثابرته وبحثه وتثقيف عقله ، وصقل ذهنه ، وإشعال الطموح في روحه ، والنبل في نفسه ؛ لتكون قيمته عالية وغالية.
فيا أيها الحبيب، يا من أسجد الله لك ملائكته بالأمس ، وجعلهم اليوم في خدمتك ، كم من ملك في السماوات ما ذاقوا غمضا ليس لهم رتبة: ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ). كم من ملك في السماوات ما ذاقوا طعاما ولا شرابا ليس لهم شرف : "ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". الملائكة تصلي عليك ما استقمت ، وحملة العرش يستغفرون لك ، يا هذا فتش عن نفسك ، واعرف قدرها تسم بهمتك إلى العظيم.
(7)الدعاء:
وإنما جعلناه خاتمة الأسباب التي نتحدث عنها في هذا المقال لأنه الباب الأوسع والأقرب للفوز بأنواع الخيرات ، وهو باب لا منازع فيه ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبخل الناس من بخل بالسلام ، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء" .
ويقول صلى الله عليه وسلم " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ".
فادخل على مولاك من باب الذل والافتقار ، وناجه :
إلهي وسيدي ومولاي ، أنت أصلحت الصالحين وأعليت هممهم فاجعلنا منهم وألحقنا بهم في عليين .
وللحديث بقية ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.