أضواء على تربية الأولاد في الصغر ( 2)

0 1101

نستكمل في هذا المقال بعض المبادئ التربوية المهمة التي ذكرنا منها شيئا في الجزء الأول :

8- المساواة بين الأولاد:
هذا الأمر لا يلغي أبدا أهمية مراعاة الفروق الفردية بين الأولاد؛ إذ إن المساواة تعني العدل ماديا ومعنويا في المعاملة بين الأولاد في الأمور اليومية.

وهذا ما أمرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  حين قال: اعدلوا بين أبنائكم وكررها ثلاثا.

فالعاطفة يجب أن تمنح للأولاد بشكل متساو؛ مثلها مثل الطعام، واللباس، والهدايا، والألعاب،... إلخ.

كما يجب عدم تفضيل الذكر على الأنثى في المعاملة؛ مما قد يؤدي إلى زرع بذور الحسد والحقد بينهم.

9 - عدم تأنيب الأولاد أمام الآخرين وعدم إهانتهم بتاتا:
يجب أن يؤنب الطفل على انفراد، وأن تتاح له أكثر من فرصة ليقوم خطأه ويعتذر عنه.

وفي حال كرر الطفل هذا الخطأ ولم يحدث تغييرا في سلوكه؛ يمكن حينئذ اللجوء إلى تأنيبه علنيا؛ لكن بصورة لطيفة، دون أن يدفعه هذا التأنيب العلني إلى عيش عقدة نفسية مستقبلا، ودون أن يدفعه إلى التمادي بالخطأ.

أما إهانة الأولاد فهو من الأساليب التربوية الخاطئة قطعا ويتوجب عدم اللجوء إليها أبدا. ومن الإهانات التي يلجأ إليها الآباء والتي تؤثر سلبا على نفسيات أولادهم السخرية من العيوب الموجودة أو النقائص الجسدية والعقلية التي يعاني منها أولادهم، وتوجيه شتائم لهم، وتشبيههم ببعض الحيوانات. وهذه الإهانات يصعب على الطـفل أن ينـســاها؛ إذ إنـها تحفر في نفسه أثرا عميقا وتؤلمـه بشـكل كبيـر؛ بل إن بعض الأولاد الذين لا يستطيعون المواجـهة يحـاولون أن يتـصفوا بهـذه النـعوت وأن يتـشـبهوا بالصفات التي أطلقت عليهم مثل: (غبي ـ أحمق)، أو (أنت حمار لا تفهم)، وغير ذلك من الأساليب الرديئة التي لا تحترم شخصية الابن ولا تحثه على تمثل السلوك الحسن مستقبل أيامه.

ويمكن أن تبدأ علامات الانطواء بالظـهور عند الأولاد عند استخدام آبائهم ألفاظا رديئة معهم. ويمكن أن يساعد ذلك في فقدان ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالإحباط الذي يمكن أن يرافقهم في كل مراحلهم العمرية القادمة.

10- اللجوء إلى أسلوب الثواب قبل أسلوب العقاب:
الثواب هو الأسلوب التربوي الأجدى والأنفع مع الأولاد. لكن ذلك لا يمنع من أهمية اللجوء إلى العقاب مع الأولاد الذيـن لا ينتـفعون بالثـواب ولا يحـيـدون عـن خطئهم به؛ لكـن يجب أن يكون العقاب متدرجا وملائما للسلوك الخاطئ؛ كأن نحـرم الطـفل أولا من اللعب باللعبة التي يفضلها، أو حرمانه من مشاهدة التلفاز؛ ولكن لفترات معقولة ومقبولة؛ فإن لم يجد معه هذا العقاب ننتقل إلى عقـاب أقسـى نوعـا ما. وآخـر ما نلجأ إليه الضرب؛ على ألا يكـون الضـرب مبـرحـا ولا متكررا ولا يطال الجزء العلوي من الجسد. ويجب عدم ضرب الأولاد أثناء انفعالنا حتى لا يتحول الضرب إلى ضرب وحشي غير محسوس به من قبلنا. ومن الأجدر بالآباء أن يمتنعوا عن الضرب بتاتا وأن يلجؤوا إلى وسائل وأساليب أكثر نفعا.

ويجب أن يكون الثواب والعقاب بالتساوي بين كل الأولاد. لا أن يحاسب الكبير أكثر من الصغير؛ فقط لأنه أكبر سنا! ولا أن تعاقب البنت لأخطاء ترتكبها لا يعاقب على مثلها أخوها؛ فقط كونه ذكرا وهي أنثى.

11- ألا يسخـر الوالدان الوسائل التربوية لإيجاد نسخة ثانية عنهما من الأولاد:
هذا السلوك نابع عن أنانية وغرور عظيم؛ حيث يظن الأبوان نفسيهما الأفضل في هذا العالم؛ فيكرسان وقتهما لتربية أولادهما على صورتيهما.

وما هذا إلا مهمة شبه مستحيلة لن تسمح إلا بإضاعة الوقت؛ إذ إن الله عندما خلق الإنسان خلق معه رغبة التحدي والاقتحام وإثبات جدارة الذات، ومنحه فرصة اختيار ما يريد أن يكون.

إذا؛ على الآباء عدم محاولة استنساخ أنفسهم عبر أولادهم، وعليهم أن يتركوا لعوامل الوراثة أن تقوم بجزء من هذه المهمة، أما هم.. فلا.

ليكـن أولادنـا شخصـيات فـريـدة تضـيف للعـالم الجديد وتثـريـه، ولتخـتار هي نفسها أن تكون ذاتها أو أن تكون آباءها.

12- على الآباء تنمية أداة الحوار مع الأولاد منذ الصغر:
الحوار هو الوسيلة المثلى لتحقيق الغايات وتنمية الثقافة بشكل راق ومهذب.

لا للصراع ولا للشجار، ونعم للحوار الهادئ المتزن المقرون بالموضوعية والصراحة والأدب والاحترام.

فليمتنع الآباء عن اللجوء إلى العقاب مباشرة عند خطأ أولادهم، وليستبدلوا الأمر بحوار ونقاش طويل حول الخطأ الذي ارتكبه صغيرهم، وليتزودوا بالجلد والصبر وطول البال أثناء الحوار، وليعيروا انتباها لأسئلة أولادهم، وليحاوروهم ليكسبوهم هذه المهارة عند الكبر.

ولا يترسخ أهمية الحوار عند الأطفال إلا عند معايشتهم لهذا الأسلوب بشكل واقعي بين أبويهم؛ فالأولاد الذين يرون أن أبويهم يتحاوران بشكل دائم ويعتمدان الحوار لحل كافة المشاكل التي تعترض طريقهما؛ يرث هؤلاء الأولاد بدورهم هذه المهارة ـ الحوار ـ ويحملونها معهم في حياتهم؛ متسلحين بوسيلة عظيمة للشورى، وتبادل الأفكار، والتزود بالمعلومات وحل المشاكل... إلخ.

13- على الآباء حماية أولادهم دون إفراط:
قد تظهر الحماية الزائدة للطفل من قبل الأم على سبيل المثال؛ خوفا من أن يصيبه مكروه أو عدوان أو حتى عدوى ما؛ فتـقوم مثـلا بحـجبه عن البشر ومنعه عنهم؛ فلا مجال لتقبيله من قبل الآخرين، ولا مداعبته وتقديم الحلوى له، أو عدم السماح له باللعب مع الأطفال إلا تحت رقابة شديدة وصارمة.

إن هذا الأسلوب من شأنه إيجاد طفل مدلل عنيد وغير اجتماعي، ولا بد أن يعاني عدم التوازن في المعاملة التي يتلقاها بين المنزل والمدرسة، ومن ثم بين المنزل والحياة بشكل عام عندما يكبر.

كما يصبح مع مرور الزمن اتكاليا بوجود أمه التي تؤمن له كل شيء ولا تسمح له بالقيام بأي أمر بذاته.

14- على الآباء الاستفادة من خبرات الآخرين في تربية أولادهم:
وفي هذا المجال نورد الآيات القرآنية التالية:

{وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم * ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي الـمصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون * يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير * يا بني أقم الصلاة وأمر بالـمعروف وانه عن الـمنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور * ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور * واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الـحمير}[لقمان: 13 - 19].

إنها آيات كريمات تضع منهجا لتربية النشء؛ ما أجدرنا بتطبيقها على الأولاد بالأساليب النبوية والتربية والتعليم!

وبعد؛ إذا كان الأولاد هم بناة المجتمع ومطوروه؛ فإن الآباء هم الأدوات الفعالة لتربية هؤلاء الأولاد ليقوموا بدورهم المرجو منهم على أحسن وجه.

فساهم في تربية أولادك التربية المثلى الملائمة لإنشاء مجتمع راق كالذي تحلم وتطمح للعيش في أرجائه، وابدأ بهذه التربية القويمة منذ الصغر؛ فالتربية في الصغر كالنقش على الحجر.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة