شواهد النبوة من عالم الجماد والحيوان

1 1716

 

 

" نطق الحجر، وانقاد الشجر، وسبح الطعام، وحن الجذع، واشتكى الجمل "، كلها عبارات ليست من قبيل المجاز اللغوي، ولكنها آيات كريمة ومعجزات عظيمة سخرها الله تعالى لتشهد بصدق النبي – صلى الله عليه وسلم – في دعوته، وتبين حقيقة تأثر الحيوان والجماد فضلا عن بني البشر بالقرب منه عليه الصلاة والسلام والاستماع إليه، في أخبار ثابتة بالنصوص الصحيحة التي لا مجال للشك فيها .

 

 

فمن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الطعام، وذلك في رحلة سافر فيها النبي – صلى الله عليه وسلم - مع بعض أصحابه، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقل الماء فقال : ( اطلبوا فضلة من ماء ) ، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " . رواه البخاري  .

 

 

وجاءت عدد من نصوص السنة لتثبت تسليم الحجر والشجر وغيرهما من الجمادات على النبي – صلى الله عليه وسلم – بصوت يسمعه من كان حاضرا، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله " رواه الترمذي ، وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( إني لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .

 

 

وعندما حاول اليهود أن يقتلوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشاة المسمومة التي قدموها له، أنطقها الله تعالى بقدرته، لتخبره عليه الصلاة والسلام بأنها مسمومة، رواه أبوداود .

 

 

ومن معجزات النبي – صلى الله عليه وسلم – انقياد الشجر له، فقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  نزل واديا في إحدى أسفاره، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته، وتبعه جابر ليعطيه الماء، ولم يجد النبي – صلى الله عليه وسلم – شيئا يستتر به سوى شجرتين متباعدتين، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال : ( انقادي علي بإذن الله ) ، فانقادت معه حتى وصل إلى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها وقال : ( انقادي علي بإذن الله ) فانقادت معه كذلك، ثم أمرهما النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يلتئما بإذن الله، فلما قضى حاجته وانصرف عادت كل شجرة إلى موضعها، وتفاصيل القصة مذكورة في صحيح مسلم .

 

 

وقد ورد ما يفيد تكرار تلك المعجزة في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأقبل عليهم أعرابي، فعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الإسلام، فقال الأعرابي : " ومن يشهد على ما تقول؟ " فقال : ( هذه السمرة ) ، فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بطرف الوادي فأقبلت تشق طريقها حتى وقفت بين يديه، فشهدت بصدق نبوته، ثم عادت إلى موضعها، فأسلم الأعرابي وعاد إلى قومه داعيا لهم، رواه الدارمي   .

 

 

ولا تقف المعجزات النبوية عند حدود النطق والكلام والحركة من الجماد، بل امتدت لتشمل المشاعر والأحاسيس، فجاءت النصوص لتثبت مدى محبة جبل أحد للنبي – صلى الله عليه وسلم –، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) رواه البخاري ، وحين صعد - صلى الله عليه وسلم - الجبل بصحبة أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم رجف بهم الجبل، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( اثبت أحد ؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) .

بل جاء في السنة ما يشير إلى شوق الجمادات إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -  وجزعها من فراقه، فقد روى الإمام البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب الجمعة إلى جذع نخلة، فقال أحدهم : " يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرا؟"، فقال : ( إن شئتم ) ، فجعلوا له منبرا، وفي الجمعة التالية وقف على المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه حتى سكنت، وفي رواية ابن ماجة قال عليه الصلاة والسلام : ( لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ) .

 

 

أما نطق الحيوان، فتلك معجزة أخرى لنبينا عليه الصلاة والسلام، فقد اشتكى إليه جمل من ظلم صاحبه له، وذلك عندما دخل عليه الصلاة والسلام بستانا لأحد الأنصار كان فيه جمل له، فإذا بالجمل تدمع عيناه عند رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرفع صوته، ولم يتوقف عن ذلك حتى مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على ظهره، وعاتب عليه الصلاة والسلام  صاحب الجمل فقال له : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؟، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه – أي تتعبه - ) رواه أبو داود .

 

 

والأعجب من ذلك إخبار الذئب بنبوته – صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن راعيا رأى ذئبا يريد أن يعتدي على غنمه، فلما منعه من ذلك أنطق الله الذئب فقال : " يا عبد الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي ؟ "، فوقف الرجل مذهولا مما سمعه، فقال الذئب : "  ألا أخبرك بأعجب مني ؟، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الحرتين – أي في المدينة - يخبر الناس بأنباء ما قد سبق "، فانطلق الرجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخبره بما حصل له، فقال عليه الصلاة والسلام : ( صدق والذي نفسي بيده ) رواه الحاكم .

 

 

فسبحان من أنطق لنبيه الجماد والحيوان، والحجر والشجر، وجعلها معجزة تدل على صدق نبوته، وصحة دعوته .

 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة