- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
ما إن يضع الإنسان جنبه على الفراش ويخضع لسلطان النوم حتى تنطلق روحه لتجوب عالما آخر يختلف بحدوده ومقاييسه وطبيعته عن عالم اليقظة ، فلا تعترف روحه بحواجز الزمان والمكان ، فالعين ترى والأذن تسمع واللسان ينطق والجسد ساكن في محله ، إنه عالم الرؤى والأحلام الذي كان ولا يزال مثار اهتمام الأفراد والشعوب على مر العصور.
وإن نظرة إلى التراث النبوي الذي تركه النبي – صلى الله عليه وسلم –، تبين لنا الكثير مما يتعلق بهديه عليه الصلاة والسلام في قضية الرؤى والأحلام ، وكيفية التعامل معها.
وإذا تحدثنا عن علاقة النبي – صلى الله عليه وسلم – مع عالم الأحلام والرؤى فقد بدأت في وقت مبكر من عمره ، فقد كانت أولى علامات صدق نبوته ومبعثه ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ) متفق عليه .
والرؤى في الأصل تطلق على ما يراه الإنسان في نومه ، وتكون حقا من عند الله تعالى بما تحمله من بشارة أو نذارة ، وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .
ويبين النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك بقوله : ( الرؤيا الصادقة من الله ) رواه البخاري ، وقوله : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) متفق عليه .
وفي المقابل هنالك منامات مبعثها وساوس الشيطان وعبثه ببني آدم ، ويعبر عنها بالأحلام ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الحلم من الشيطان ) متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الرؤيا ثلاث ، منها : أهاويل من الشيطان ليحزن بها بن آدم ) رواه ابن حبان ، ومثل ذلك ما رآه أحد الصحابة في المنام أن عنقه سقط من رأسه فاتبعه وأعاده إلى مكانه ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم : ( إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن به الناس ) رواه مسلم .
وبين هذين النوعين نوع ثالث ، هو مجرد تفاعل للنفس تجاه الواقع الذي تعيشه ، والمواقف التي تمر بها ، فتستخرج مخزون ما تراه أو تعايشه في نومها ، فذلك ما يسمى بأضغاث الأحلام وأحاديث النفس التي لا تعبير لها ، قال – صلى الله عليه وسلم : ( ..ومنها ما يهم به الرجل في يقظته ، فيراه في منامه ) رواه ابن حبان .
لكن السؤال الذي يرد في الأذهان : كيف يتعامل المرء مع هذه الأنواع ؟ لقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – أن على من رأى الرؤيا الصالحة أن يستبشر بها ، وألا يحدث بها إلا لمحب أو عالم أو ناصح ، فقد قال – صلى الله عليه وسلم - : ( الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ) رواه البخاري ، وقال– صلى الله عليه وسلم - : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات : الرؤيا الصالحة ) رواه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما ) رواه أحمد .
أما إن كان ما رآه من جنس الأحلام المزعجة وتلاعبات الشيطان ، فقد أرشد النبي – صلى الله عليه وسلم – صاحبها بأحد أربعة أمور : أن يتعوذ بالله من شر الشيطان وشر ما رآه ، وأن يبصق عن يساره ثلاثا ، وأن يتحول من شقه الذي ينام عليه إلى الشق الآخر ، وألا يخبر بها أحدا ، ويستفاد ذلك من قوله – صلى الله عليه وسلم : ( وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا ، وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ، ولا يحدث بها أحدا ؛ فإنها لن تضره ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ، وزاد في رواية أخرى : ( وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ) .
ومن مسائل الرؤى أن من رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام فقد رآه حقا ، بشرط أن يكون قد رآه على صفته الحقيقية المذكورة في كتب الشمائل وغيرها ، ودليل ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( من رآني في المنام فقد رآني ؛ فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ) متفق عليه
ومن الخطورة أن يستوضح صاحب الرؤيا أو يطلب تأويلها من أي أحد ؛ فقد تكون سببا في هلاكه أو وقوع الضرر به ، فعليه ألا يسأل إلا من يثق بعلمه ودينه ، ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( الرؤيا تقع على ما تعبر ، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها ، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما ) رواه الحاكم .
ومن الأمور التي جاء التنبيه عليها حرمة ما يقوم به بعض ضعاف النفوس من اختلاق بعض الرؤى والأحلام رغبة في الإثارة أو التشويق ، فقد ورد الوعيد الشديد على ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ) رواه البخاري ، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن من أفرى الفرى أن يري عينيه في المنام ما لم ترى ) رواه أحمد .
وكتب الحديث والسنة تذكر جانبا من منامات الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، كمثل رؤيته لدار الهجرة قبل ذهابه إليها ، وما أصاب المؤمنين يوم أحد من قتل ، ورؤيته لبعض أصحابه الذين سيغزون بعد موته ويركبون البحر ، ورؤيته عليه الصلاة والسلام لمفاتيح خزائن الأرض التي وضعت بين يديه ، وللملائكة وهي تحمل له عائشة رضي الله عنها قبل زواجه بها وتقول له : " هذه امرأتك " ، ورؤيته لجانب من عذاب البرزخ ، ورؤيته لعيسى عليه السلام وهو يطوف بالكعبة ، ومشاهدته للمسيح الدجال ، ولموضع السحر الذي أصيب به ، ولرجلين من مدعي النبوة في عهده .
وكان للنبي – صلى الله عليه وسلم – نصيب من تأويل الرؤى ، فقد أول عرض الناس عليه وعليهم ثياب منها ما يبلغ الصدر ، ومنها ما هو دون ذلك ، وعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص يجره ، أنه الدين ، وأول عليه الصلاة والسلام رؤيا له تتعلق بشربه لوعاء من لبن ثم إعطائه لما بقي في الوعاء لعمربن الخطاب رضي الله عنه أنه العلم ، وأول رؤياه لدار عقبة بن رافع رضي الله عنه وتناوله للرطب بالرفعة في الدنيا والعاقبة في الآخرة ، وأن الدين قد طاب ، وغير ذلك من الرؤى المبثوثة في كتب السنة .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – حريصا على الاستماع إلى ما يراه أصحابه في منامهم ، ويكثر من سؤالهم – خصوصا بعد صلاة الفجر – عما رأوه في منامهم ، ومن ذلك رؤيا كلمات الأذان المعروفة ، ومنها كذلك : رؤيا عبدالله بن سلام رضي الله عنه إمساكه بالعروة الوثقى وتأويل ذلك بموته على الإسلام ، ورؤيا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما للجنة وما فيها من العجائب.
لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو عدم التعلق بالرؤى والمسارعة إلى تصديقها واستظهار الغيب بها ، ولا يخفى على عاقل الفتن التي حصلت للأمة وما صاحبها من إراقة للدماء بسبب رؤى وأوهام حملت محملا خاطئا ، ولكن تبقى تلك المنامات في إطارها الشرعي المحدد : مبشرات ، أو منذرات ، أو أضغاث أحلام لا حقيقة لها.