- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:القصص النبوي
نص الحديث
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، كانت فيهم الأعاجيب ) . ثم أنشأ يحدث قال : ( خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم من مقابرهم ، فقالوا : لو صلينا ركعتين ودعونا الله عز وجل أن يخرج لنا رجلا ممن قد مات نسأله عن الموت ، ففعلوا ، فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر من تلك المقابر ، خلاسي ، بين عينيه أثر السجود ، فقال : ياهؤلاء ، ما أردتم إلي ؟ ، فقد مت منذ مائة سنة ، فما سكنت عني حرارة الموت حتى كان الآن ، فادعوا الله عز وجل لي يعيدني كما كنت ) رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد ، والطحاوي في مشكل الآثار ، وهو صحيح .
غريب الحديث
خلاسي : أسمر اللون ، ويقال كذلك للولد : ( خلاسي ) ، إذا كان من أبوين مختلفي اللون .
تفاصيل القصة
من المناظر المألوفة في المقابر ، منظر الجنائز وهي تحمل على الأكتاف يشيعها أصحابها ، لتستقر في اللحود ، ويوارى عليها التراب ، في لحظات يخيم فيها الحزن أرجاء المكان ، ثم سرعان ما ينفض الجمع ، تاركين وراءهم أمواتا استبدلوا بظاهر الأرض بطنا ، وبالنور ظلاما ، وبالأنس وحشة ، وبفاخر الثياب أكفانا ، وبسعة الأرض ضيق اللحد .
ذلك المشهد الذي أقض مضاجع الصالحين وأسال الدمع من عيونهم على مر الأيام والسنين ، لوقوفه على حقيقة قاسية لا محيد عنها ، وقضية يقينية لا مفر منها ، قضية الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ، الذي يبدأ بالبرزخ ، وينتهي بالجنة أو النار .
هذه القضية هي محور القصة التي ذكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – عن طائفة من بني إسرائيل ، عندما خرجوا ذات يوم إلى إحدى المقابر للعظة والعبرة ، فكان وقوفهم بين يدي الأجداث آسرا لقلوبهم ، وآخذا بمجامع أفئدتهم ، حتى قال قائلهم : " لو صلينا ركعتين ، ودعونا الله عز وجل أن يخرج لنا رجلا ممن قد مات نسأله عن الموت " .
وليس سؤالهم إذ ذاك نابعا من الشك بقدرة الله سبحانه وتعالى أو الارتياب في تلك الحقائق الغيبية ، ولكنه الشوق الروحي إلى كشف الستار عن ذلك العالم العجيب والتطلع إلى أسراره ، فيزداد اليقين ، ويقوى الإيمان ، وتثمر معاينتهم لتلك المشاهد إقبالا على الله ، وتركا للمعاصي ، وتعجيلا للتوبة ، ووعظا للقلب .
وبمجرد فراغهم من الصلاة والدعاء ، إذا بالأرض تنشق ويطل منها رأس رجل ، وصفه النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنه أسمر اللون ، وفي جبهته أثر من كثرة السجود ، فإذا به يخبرهم من أمره عجبا ، فقد كتب الله عليه الموت قبل مائة عام ، ومنذ ذلك الحين وهو يقاسي حرارة الموت وآثاره ، ولم تنته معاناته إلا قبيل خروجه ، ثم طلب منهم أن يدعوا الله سبحانه وتعالى أن يعيده إلى عالم البرزخ كما كان .
وقفات مع سياق القصة
أولى تلك الوقفات مع قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، كانت فيهم الأعاجيب ) فهو إخبار عن جواز التحديث بما كان من أخبار بني إسرائيل ، وسرد الوقائع العجيبة التي جرت فيهم ، وهذا يتضمن ما صح في الكتاب والسنة أو ما جاء في كتبهم مما لا يخالف مأثورا أو لا يناقض حكما شرعيا .
ثم وقفة أخرى مع قيام أولئك الصالحين بالصلاة قبل الدعاء ليكون أرجى في الإجابة ، والصلاة - كما هو معلوم - من أعظم العبادات التي يتوسل بها ، ونظير ذلك مشروعية صلاة الاستخارة وما جاء فيها من الدعاء.
ووقفة ثالثة في إجابة الله لدعائهم وإحياء الموتى لهم ، ولم تكن تلك المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الآية ، فبين يدينا الكثير من النصوص في القرآن والسنة التي تحدثنا عن معاينة بني إسرائيل لإحياء الموتى ، كما ورد في سورة البقرة عن القتيل الذي أحياه الله ليخبر عن قاتله ، وكحال الرجل الذي مات مائة عام ثم بعثه الله ليريه كيف تعود الحياة مجددا ، وسرد القرآن لقصة إبراهيم عليه السلام في إحياء الطير ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم فقضى الله عليهم الموت ثم بعثهم ، عدا عن كونها أحد أهم معجزات عيسى عليه السلام التي جرت على يديه.
ووقفة رابعة في معاناة هذا الميت الذي يدل وصفه على صلاحه ، ليدلنا ذلك على عظم البلاء عند مفارقة الحياة ، فالموت وشدته ، والقبر وضغطته ، والسؤال وشدته ، مصير محتوم كتبه الله على كل فرد من بني آدم ، مهما بلغ من التقى والصلاح أعلى المراتب ، وأن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز لموته عرش الرحمن .
وأعظم الدروس التي نستلهمها من هذه القصة ، ضرورة أن نعد العدة ونشمر عن ساعد الجد للنجاة من أهوال الآخرة ، وإعتاق نفوسنا من عذاب الله ، والسعيد حقا من عمل لما بعد الموت .