- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:القصص النبوي
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينما رجل يمشي بطريق ، وجد غصن شوك ، فأخذه ، فشكر الله له فغفر له ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق ، فقال : والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم ، فأدخل الجنة ) رواه مسلم .
وفي رواية أخرى : ( لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق ، كانت تؤذى الناس ) .
وفي مسند أحمد : ( قال لأرفعن هذا لعل الله عز وجل يغفر لي به )
معاني المفردات
يتقلب في الجنة: يتنعم فيها.
ظهر طريق : وسط الطريق.
فشكر الله له : تقبل فعله وجازاه به خيرا.
تفاصيل القصة
تمتاز الشريعة الإسلامية بالشمولية والاهتمام بجميع قضايا الحياة ، من خلال ما قررته من أحكام وآداب جاءت لتتناول كل ما يحقق مصالح الناس في معاشهم ومعادهم ، ويسهم في رقي السلوك وتهذيب الأخلاق ، وينقل إلى مستوى المسؤولية ، بعيدا عن معاني الأثرة والأنانية والمنفعة الشخصية .
وعلى هذا الأساس ربى النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه ، فأثمر جيلا على مستوى عال من الأدب الراقي والسلوك المهذب ، يسعى الفرد فيه لمصلحة الجميع .
وفي هذا الحديث يحكي لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – قصة أحد الناس الذين تملكهم الحرص على الآخرين ، رجل لم نقف على تفاصيل حياته ، ولعله يكون من عامة الناس ، إلا أنه كان حريصا على عدم أذيتهم أو إلحاق الضرر بهم .
فبينما هو يمشي في بعض حاجته ، أبصر في وسط الطريق غصن شجر مليء بالأشواك ، فاستوقفه ذلك ، ثم فكر في الأذى الذي قد يسببه وجود مثل هذا الغصن على الناس ودوابهم ، فقال في نفسه : " والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم " ، وبكل رجاء أردف قائلا : " لعل الله عز وجل يغفر لي به " .
عمل قليل في نظر الناس ، قد لا يكلف من الجهد أو الوقت شيئا ، لكن الله تعالى بواسع رحمته وعظيم كرمه جعل ما فعله سببا في مغفرة ذنوبه ودخول الجنة ، استحقه بنيته الحسنة ، ولولا فضل الله ما أثيب .
وقفات مع القصة
إن القضية الأساسية التي تناولها الحديث هي سعة رحمة الله وفضله ، فكان التجاوز عن ذنوب ذلك الرجل والصفح عنها مكافأة له على يسير عمله ، وما ذلك إلى لعظم تلك الرحمة الإلهية .
كما يدل الحديث على مكانة أعمال القلوب ، فإن أفعال العباد وإن اشتركت في الصورة الظاهرة فإنها تتفاوت بحسب من يقوم في قلب صاحبها من معاني الإخلاص والصدق وصفاء النية تفاوتا عظيما ، ويؤيد ذلك ما جاء في حديث البطاقة المشهور ، وفيه أن رجلا يوم القيامة توضع له بطاقة تحتوي على كلمة التوحيد في كفة ، وجميع سجلات ذنوبه في كفة أخرى ، ومع ذلك تثقل البطاقة وتطيش السجلات على كثرتها واتساعها ، وإنما حدث له ذلك لما قام في قلبه من تحقيق معاني التوحيد .
ومن القضايا التي جاء بها الحديث إعطاء الطريق نوعا من الحقوق والدعوة إلى العمل بها ، فإن طرق الناس ملك للجميع ومسؤوليتها مشتركة بين جميع أفراد المجتمع ، وهذه سابقة حضارية تعكس اهتمام الإسلام بحماية الممتلكات العامة ونظافتها ورعايتها ، على أساس من الوازع الديني .
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بهذا الجانب الحيوي ، بيان فضائل هذا السلوك الراقي من خلال عدد من الأحاديث ، فقد جاءت البشارة بالمغفرة والجنة في سياق القصة ، إضافة إلى أحاديث أخرى تجعل هذا الفعل من جملة الأعمال الصالحة التي تدل على إيمان صاحبها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) رواه مسلم ، وكذلك جعل الإسلام ذلك الفعل بابا عظيما من أبواب الصدقة ، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( كل سلامى – أي مفصل - من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس : - ثم ذكر جملة من الأعمال وفيها : - ويميط الأذى عن الطريق صدقة ) رواه البخاري .
وفي المقابل جاء الوعيد الشديد على من ينتهك حقوق الطريق ويجعلها موطنا للقاذورات والفضلات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( اتقوا اللاعنين ، قالوا : وما اللاعنان يا رسول الله ؟ ، قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم ) والمقصود أنه مستحق لغضب الله تعالى وذم الناس لإفساده الطريق وحرمانه لهم من التمتع في أماكن مواطن الراحة كظل الأشجار ونحوها .
أما القضية الثانية التي تجدر الإشارة إليها فهي ما ورد في نص الحديث من شكر الله لفعل ذلك الرجل ، فمن صفات الله تعالى : ( الشكور ) ، ومعناها كما قال الإمام ابن الجزري في النهاية : " الشكور هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء " ، وفي هذا المعنى يقول ابن القيم في نونيته :
وهو الشكور فلن يضيع سعيهم لكن يضاعفه بلا حسبان
ولفتة أخيرة جاء بها الحديث ، وهي أن من علق رجاءه بالله لم يخيب الله رجاءه ، وذلك مأخوذ من قول الرجل : ( قال لأرفعن هذا لعل الله عز وجل يغفر لي به ) ، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي ) متفق عليه .