دخلت النار في هرّة

1 2767

نص الحديث

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  ( عذبت امرأة في هرة ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ؛ لا هي أطعمتها ، ولا سقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه.

وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى تلك المرأة في صلاة الكسوف حيث قال : (.. ودنت مني النار ، فإذا امرأة تخدشها هرة ، قلت : ما شأن هذه ؟ ، قالوا : حبستها حتى ماتت جوعا ، لا أطعمتها ، ولا أرسلتها تأكل ) .

وجاء في رواية النسائي : ( حتى رأيت فيها امرأة من حمير تعذب في هرة... فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت وإذا ولت تنهش أليتها ) .

معاني المفردات

في هرة : بسبب قطة

خشاش الأرض : حشرات الأرض ، وما يدب عليها  من العقارب والحيات ونحوهما

تخدشها هرة : تجرحها بمخالبها

تنهش أليتها : تجرحها في مؤخرتها

تفاصيل القصة

المرأة هي منبع الحنان وموطن الرفق ، خلقها الله سبحانه وتعالى وجعل من عاطفتها الفياضة جزءا لا يتجزأ من تكوينها ، فتراها تنطلق من مشاعرها المرهفة وأحاسيسها الرقيقة لتحنو على من حولها وتغمره بهذه العاطفة . 

ولكن ماذا إذا نزعت الرحمة من قلب أنثى وأجدبت فيها معاني الشفقة لتفقد إنسانيتها وفطرتها وأبرز صفاتها ؟ ، وكيف يكون الحال إذا وجدت القسوة طريقها إلى نفسها لتدفعها إلى الإضرار والإفساد والتعذيب ، في خلق معوج وسلوك منحرف ؟

لا شك حينها أن النتائج ستختلف ، والموازين ستنقلب ، والقيم ستتبدل ، فإذا بنا نرى الرحمة على الآخرين تنقلب شدة عليهم ، وإذا التوجع من أصوات الأنين يحل محله الأنس بذلك الصوت والراحة لسماعه .

وبين يدينا صورة مخالفة للأصل ، ومناقضة للفطرة الأنثوية ، أخبر عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، جرت وقائعها أيام الجاهلية ، والقصة أن امرأة من "حمير " كانت تملك هرة ، فبدلا من رعايتها والاعتناء بها ، وبدلا من إطعامها والإحسان إليها ، إذا بها تحبسها وتمنعها من الخروج ، وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب ولكنها منعت عنها الطعام والشراب ، دون أن تلقي بالا إلى أصوات الاستغاثة التي كانت تصدر من الهرة .

وظلت الهرة تعاني من الجوع والعطش أياما وليالي ، لم تجد فيها شيئا من طعام يشبع جوعتها ، أو قطرة ماء يطفيء ظمأها ، ولم يسمح لها بمغادرة البيت علها تظفر بشيء تأكله ولو كان من هوام الأرض وحشراتها ، حتى فارقت الحياة ، والمرأة تنظر إلى ذلك كله دون أن تحركها يقظة من ضمير أو وازع من خير .

ولكن ربك بالمرصاد ، حرم الظلم على نفسه ولا يرضى وقوعه على أحد ، فكان عقابها الإلهي الذي رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم كسفت الشمس أن الله سلط عليها هرة تجرحها بمخالبها مقبلة مدبرة حتى يوم القيامة ، ثم يكون مصيرها نار جهنم والعياذ بالله .

وقفات مع القصة

في التحذير - الذي ورد في الحديث – من تعذيب الحيوانات وأذيتها ، دعوة إلى الإحسان والرحمة بالآخرين ، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالحيوانات ، والإسلام قائم على مبدأ الإحسان في معاملة الخالق والمخلوق .

ولنتأمل كيف وجه الله سبحانه وتعالى النظر إلى الحيوانات ، باعتبارها نعمة عظيمة سخرت للبشر كي ينتفعوا بلحومها وأشعارها وأوبارها ، ثم كيف جاء الحث على الرفق بتلك المخلوقات ، ذلك الرفق الذي يمنع من تعذيب الحيوان أو ضربه ووسمه بالنار ، ويأمر بإحسان قتله ، وينهى عن حد الشفرة أمامه حتى لا تتأذى من النظر إليها .

وقد عاب القرآن الكريم ما كان عليه أهل الجاهلية من تعذيب الحيوانات بشق آذانها ، قال تعالى : { إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا } ( النساء : 117-119 ) ، وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : ( لا تقصوا نواصي الخيل – مقدم رأسها - ولا معارفها – شعر الرقبة -ولا أذنابها ؛ فإن أذنابها مذابها – أي تدفع عنها الهوام - ، ومعارفها دفاؤها - أي كساؤها الذي تدفأ به - ، ونواصيها معقود فيها الخير ) رواه أبو داود ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ) رواه النسائي ، ونهى عليه الصلاة والسلام : " أن يقتل شيء من الدواب صبرا " رواه مسلم ، وهو حبس الحيوان دون طعام أو شراب حتى الموت ، أو أن يتخذ الحيوان هدفا للرماية .

وعندما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حمارا قد وسم في وجهه ، غضب لذلك وقال : ( لعن الله الذي وسمه ) رواه مسلم .

وفي مجال الاهتمام بغذاء الحيوان يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض ) رواه مسلم

كما يدل الحديث أيضا أن الجزاء من جنس العمل ، فالمرأة عوقبت بعد مماتها بهرة تعذبها وتخدش جسدها كما جاء في سياق النص . 

وبهذا تكون القصة قد جسدت اهتمام الإسلام بالحيوانات والدعوة إلى الإحسان إليها ، وإعطائها حقوقا في كل ما يجلب لها النفع أو يدفع عنها الضر ، وما يكفل لها العيش والحياة ، مما يثبت أسبقية هذا الدين العظيم لكل المنظمات الحقوقية المعنية بالحيوانات والرفق بها.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة