- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:القصص النبوي
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال : ( أصاب رجلا حاجة ، فخرج إلى البرية ، فقالت امرأته : اللهم ارزقنا ما نعتجن وما نختبز ، فجاء الرجل والجفنة ملأى عجينا ، وفي التنور الشواء ، والرحا تطحن ، فقال : من أين هذا ؟ ، قالت : من رزق الله ، فكنس ما حول الرحا ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لو تركها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة ) رواه الطبراني في الأوسط .
معاني المفردات
أصاب رجلا حاجة : أي الفاقة والجوع.
الجفنة : الوعاء الكبير الذي يقدم به الطعام.
الرحا : الحجر الكبير الذي يستخدم في طحن الحبوب.
التنور : الموقد.
تفاصيل القصة
جعل الله هذه الحياة الدنيا مليئة بألوان المحن والبلايا ، والشدائد والرزايا ، والتي يجريها سبحانه وتعالى على عباده امتحانا واختبارا ، ولابد من هذا البلاء للكشف عن معادن الناس ، فيتميز الصادق من الكاذب ، والمخلص من المدعي ، والمؤمن من المنافق .
ثم أن سنة البلاء التي أقام الله عليها هذه الحياة فرصة مهمة لتربية المؤمنين على مواجهة المصاعب والمتاعب ، والإعداد لتحمل الآلام والشدائد ، مهما كان نوعها أو بلغت شدتها ، فلا تذهب نفوسهم حسرات مع كل فاجعة تصيبهم ، أو تجزع قلوبهم أمام كل محنة تحل بديارهم ، ولكن يواجهونها برباطة جأش وثبات جنان.
ومن شيم المؤمنين وأخلاقهم إذا نزل بهم قضاء الله وقدره ، أن يلجؤوا إلى الركن الركين ، والحصن الحصين ، ويرفعوا أكف الضراعة إلى خالقهم ، موقنين أن طول البلاء مؤذن بقرب الفرج ، وأن وراء كل محنة منحة ، ووراء كل مصيبة حكمة .
ولعل القصة التي حكاها النبي – صلى الله عليه وسلم - مثال حي على النفوس المؤمنة الصابرة ، الراضية الشاكرة ، المربوطة بالله سبحانه وتعالى في أحوال الدنيا وتقلباتها ، فاستحقت بذلك حصول الفرج ، واستيفاء الأجر ، على نحو تظهر فيه عظمة الله وقدرته ، وحكمته وتدبيره .
فنحن أمام قصة رجل مع زوجته ، عضهما الفقر بنابه ، ونفد كل ما لديهما من زاد وطعام ، فلم يجدا بدا من الخروج إلى البرية ؛ علهما أن يظفرا بشيء يصلح طعاما لهما ، ويخفف من جوعهما .
وطال البحث ، لكن من غير طائل ، إذلم يجدا شيئا ، فقامت المرأة تناجي ربها داعية أن يرزقهما شيئا من الطحين يصنعون به خبزا يأكلانه ، أو يمن عليهم بلحم يطبخانه ، ولعله لم يدر في خاطرها أن يكون الفرج الإلهي لهما آية عظيمة يتحدث بها التاريخ ، ويتناقلها الناس إلى قيام الساعة .
عاد الزوجان إلى البيت ، فإذا بهما يريان عجبا : وعاء ملئ عجينا ، ورحى تطحن الحب من غير أن يحركها أحد ، وفرن يفوح برائحة الشواء ، فانقشعت عنهم الغمة ، وظهر على محياهما البشر .
وقام الرجل الصالح فكنس ما حول الرحا من الطحين ، ولو ترك الأمر على حاله ، لاستمر الحجر في الدوران إلى يوم القيامة ، كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – في خاتمة القصة .
وقفات مع القصة
عالجت القصة بسياقها وأحداثها عددا من القضايا ، فقررت حقائق مهمة ، وأرست مباديء قيمة ، كي يتربى المسلم عليها ويعمل بمقتضاها .
حيث تظهر القصة في المقام الأول قدرة الله تعالى ليزداد المؤمنون إيمانا ، وليعلموا أن شواهد القدرة الإلهية لا تنقطع عنهم آناء الليل وأطراف النهار ، يرونها بجلاء في كل ذرة من ذرات هذا الكون الفسيح ، لا يملك أحد إنكارها ، وقد تناولت نصوص قرآنية عديدة هذا الجانب من صفات الكمال الإلهي ، وإن مظاهر القدرة الإلهية في هذا الحديث بينة في تهيئة الطعام والشراب للزوجين الصالحين من غير سبب ظاهر ، ومن خلال الرحى التي كانت تطحن والقدر الذي يطبخ من غير حاجة إلى أحد .
كما تبين القصة أيضا أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المضطرين ، حين ينزل بهم البلاء ، وتحل بهم الهموم ، وتضيق عليهم السبل ، وتتخاذل عنهم الأسباب إلا سبب السماء ، كما قال تعالى ممتنا على عباده : { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون } ( النمل : 62 ) .
وفي القصة إثبات للكرامات التي يجريها الله تعالى على يد عباده الصالحين ، وتكون مخالفة لما اعتاده الناس من نواميس الكون وسننه ، إكراما لهم وتأييدا لحالهم ، وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة على إثباتها ، وشهد التاريخ على وقوعها ، وإن حصرها فيمن استقام على شرع الله والتزم حدوده .
وأخيرا : فعلى المؤمن أن يعظم رجاؤه بالله ، وثقته به ، واعتماده عليه ، فالفرج يحصل سريعا مع الكرب ، والعسر لابد أن يعقبه اليسر ، كما قال الله في كتابه : { فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا } ( الشرح : 5 – 6 ) .