فهلا نملةٌ واحدة

5 2685

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار ، فأوحى الله إليه : فهلا نملة واحدة ؟ ) متفق عليه .

وفي رواية لمسلم : ( فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ؟ ) .

معاني المفردات

فأمر بجهازه : الجهاز هو المتاع

فلدغته : أي قرصته

فهلا نملة واحدة : فهل اكتفيت بنملة واحدة

أفي أن قرصتك نملة : أمن أجل نملة واحدة قرصتك

تفاصيل القصة

( الإصلاح ) قضية تلتقي فيها الديانات السماوية كلها ، ومحور تدور حوله مناهجها وشرائعها ، فقد جاءت التوجيهات والنصائح تدعو إلى إعمار الكون وتوجيه الطاقات البشرية نحو البناء لا الهدم ، والتشييد لا التخريب ، وإن الدعوة إلى المحافظة على صور الحياة وأشكالها ، والمناداة برعايتها والاهتمام بها ، خير شاهد على ذلك .

وعلى العكس ، فإن الفساد والإفساد في الأرض مهما كان نوعه أو بلغ حجمه ، فإنه سلوك مرفوض يبغضه الله تعالى وتأباه الفطر السليمة ، كما جاء تقريره في قوله تعالى : { والله لا يحب الفساد } ( البقرة : 205 ) .

وتأسيسا لما تقدم ، يعرض لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق على صحته ، قصة نبي بعث في الأمم السابقة ، جاءه العتاب الإلهي حينما أهلك قرية كاملة من النمل!! .

كان هذا في يوم سار فيه ذلك النبي الكريم في بعض حاجته حتى أضناه المسير ، فنزل تحت شجرة طلبا للراحة وتجديد النشاط ، ثم جعل متاعه على مقربة منه .

ويقدر الله أن يجلس ذلك النبي فوق قرية من قرى النمل ، فانطلقت إحداها مدفوعة بغريزتها لتحمي مملكاتها ، فكان أن قرصت النبي قرصة آلمته .

ويبدو أن تلك القرصة كانت مؤلمة للغاية ، إلى حد جعلت النبي يغضب غضبا شديدا ، فلم يكتف بقتل تلك النملة جزاء على أذيتها ، بل أمر بإحراق القرية كلها .

ويوحي الله إلى ذلك النبي معاتبا وموبخا : ألأجل نملة واحدة آذتك في نفسك ، تهلك أمة كاملة تسبح الله في غدوها وعشيها ؟ .

وقفات مع القصة

ما أعظم اللمحة التربوية التي تحملها هذه القصة ، إنها إشراقة أخلاقية ترقى بسلوك المؤمن إلى أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه ، وتفجر بين جنباته معاني الإحساس بالمسؤولية واستشعار المراقبة الذاتية ؛ ومن تربى على التحرز من قتل نملة واحدة بغير حق ، لا يمكنه أن يفكر مجرد تفكير أن يسفك دما حراما ، أو يأكل أموال الناس بالباطل ، أو يعيث في الأرض فسادا وإهلاكا .

كما أن في الحديث توجيه إلهي للنبي نحو الأليق بمقام نبوته والأنسب لمكانته ، بأن يتعامل مع الموقف بروح الصبر والمسامحة ، بدلا من الانتقام للنفس وإهلاك جميع النمل بذنب واحدة ، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي .

ويبدو من السياق أن التعذيب بالنار كان جائزا في الأمم السابقة ، فإن العتاب لم يقع في أصل القتل أو الإحراق ، ولكن في الزيادة على النملة الواحدة ، ثم استقر الأمر في شريعة الإسلام على حرمة التعذيب بالنار كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) رواه أحمد ، كما ورد النهي عن قتل النمل بخصوصه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصرد – وهو نوع من أنواع الطيور الجارحة - ، رواه أحمد .

في حين جاء الأمر بقتل جملة من الحيوانات المؤذية بطبعها لكثرة ضررها وفسادها ، فأمر بقتل الفأرة – وسماها فويسقة - ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة – نوع من الطيور - ، والكلب العقور ، والوزغ ، وغير ذلك مما جاء في السنة .

وقضية أخيرة يحملها الحديث : وهي أن الكون بجميع مخلوقاته قد دان بالعبودية لله وحده وأسلم له طوعا واختيارا ، واعترف بقدره وقهره ، وكماله وسلطانه ، أفلا يكون ابن آدم الذي ميزه الله بالعقل والإدراك ما استدل به على وجود خالقه ووحدانيته ، أولى بالعبودية وأحرى بالتسبيح والتنزيه؟ .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة