- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:القصص النبوي
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( اشترى رجل من رجل عقارا له ، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب ، وقال الذي له الأرض : إنما بعتك الأرض وما فيها ، فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ ، قال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدقا ) متفق عليه .
معاني المفردات
أبتع منك الذهب : أي : أشتري منك الذهب
ألكما ولد : أي : ألكل منكما ولد
عقارا له : العقار هو المنزل والضيعة
تفاصيل القصة
يصطرع الناس فتات الدنيا ، وتنشب بينهم الخلافات ، ثم ينتهي الأمر إلى الازدحام عند أبواب المحاكم ، والوقوف أمام القضاء ، ليدلي كل بحجته ، ويقدم أدلته ، مدعيا أنه صاحب الحق ، وأن خصمه يريد سلبه ونهبه ، وأخذ ما ليس له .
مشهد مألوف وموقف معتاد يتكرر يوميا في دنيا الناس ، لكن العجب كل العجب أن ينشأ الخلاف ويحتدم النقاش بين رجلين ، حتى تتعالى أصواتهما ، ويترافعا عند القاضي ، ليقول كل واحد منهما : " إن خصمي هو صاحب الحق ، وإنه يريد أن يعطيني ما ليس لي " فحق للعقل حينها أن تعصف به الحيرة وتأخذه الدهشة .
وليس الحديث عن ذلك من نسج الخيال أو إلهام الفكر ، ولكنه أنموذج فريد وبارقة نجم في سماء الحضارات السابقة ، لرجال تسوروا العز وتبوؤوا المجد ، حينما صاغهم الدين ورباهم الأنبياء ، فطهرت سرائرهم ، واستقامت ظواهرهم .
وكانت البداية حينما أراد رجل أن يبيع عقارا له ، فبحث عن مشتر له ، حتى أبدى أحدهم إعجابه بالعقار واستعداده لنقد الثمن ، فتم البيع وعقدت الصفقة .
وانتقل المشتري إلى عقاره الجديد فرحا به ، فجعل يهيئه ويعده للسكنى ، وبينما كان يقوم بالحفر في أحد نواحي داره إذا بفأسه تصطدم بجرة ، ولما أخرجها وجدها مملوءة ذهبا ، تثقل اليد عن حملها ، إنها جرة تؤذن بوداع حياة الفقر ، وتكفل لصاحبها أن يكون في مصاف الأغنياء ، ليهنأ بالعيش الرغيد ، والنعمة الواسعة ، والرفاهية المطلقة .
لكن نوازع الأمانة ومعاني الورع كانت أعظم في نفسه ، فلم يلتفت إلى بريق الذهب ولمعانه ، بل كان شغله الشاغل أن يرجع المال لصاحبه ، وهكذا انطلق من لحظته ليدفع له الجرة قائلا : ( خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب! ) .
وإذا كانت أمانة هذا الرجل وقناعته مثار إعجاب ومحط استحسان ، فإن العجب يتعاظم من موقف صاحبه الذي أعاد له المال قائلا : ( إنما بعتك الأرض وما فيها ) .
وقام الرجلان يتدافعان الجرة ، كل يدعي أن صاحبه أحق بها ، وبعد نقاش دام طويلا اتفقا على أن يحكما بينهما رجلا ، فوقفا بين يديه ، وعرض الأول وجهة نظره ، وعرض الثاني رأيه وقوله .
نظر الحكم إليهما معجبا بسمو أخلاقهما وعظيم نبلهما ، ورأى أن هذه النماذج الفريدة جديرة بأن يلتئم شملها تحت مظلة واحدة ، تربط بينها أواصر النسب ووشائج المصاهرة ، وقد وجد بغيته حينما علم أن للأول غلاما وللثاني جارية لم يتزوجا بعد ، فأصدر حكمه : ( أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدقا ) .
وقفات مع القصة
تبقى القصة بكل أبعادها وأحداثها ، وألفاظها ومدلولاتها تشكل سفرا مفتوحا لكل قاريء ليأخذ منها الدروس ويستلهم منها العبر .
وأول ما يلفت النظر ويشد الانتباه ، خلق القناعة الذي ظهر في الأول ، ومعاني العفة والتنزه التي بدت عند الثاني ، ثم الحكم الذي يظهر فيه حسن الفهم وسداد الرأي عند الثالث ، حتى يحار المرء : أيهم أفضل من الآخر .
كما يظهر في القصة ما تعود به القناعة على صاحبها من الخير والبركة ، فهي كنز لا يفنى ، وذخيرة لا تنضب ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( ليس الغنى عن كثرة العرض – أي : متاع الدنيا - ولكن الغنى غنى النفس ) رواه البخاري ، ويقول أيضا : ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) رواه الترمذي .
وفي ألفاظ القصة دعوة ضمنية للناس إلى أداء الأمانات وإرجاع الودائع ، وهي قضية تناولها القرآن وأكد على أهميتها في قول الحق سبحانه : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ( النساء : 58 ) .
وآخر ما نختم به دلالة القصة على إمكانية الاحتكام إلى من كان ذا حظ من العلم والعقل ، ما يعينه على تحقيق العدل وإصابة الحق.