- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:القصص النبوي
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( رأى عيسى بن مريم عليه السلام رجلا يسرق فقال له أسرقت قال كلا والله الذي لا إله إلا هو ، فقال عيسى عليه السلام : آمنت بالله وكذبت عيني ) متفق عليه ، وفي لفظ مسلم : ( فقال عيسى عليه السلام : آمنت بالله وكذبت نفسي ) .
معاني المفردات
كذبت عيني: يعني خطأ الظن الذي بناه على ما رأته عينه .
تفاصيل القصة
الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، وإن أرفعهم مقاما وأزكاهم خلقا وأعلاهم منزلة أنبياء الله ورسله ، فهم صفوة المجتمعات وخيرة الخلق ، ولذلك اصطفاهم الله وميزهم من دون سائر الناس فقال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } ( الحج: 75 ) ، وقال تعالى : { واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } ( الأنعام : 87 ) .
من هنا كان الأنبياء والرسل أعظم الناس عبودية لله ، وخشية له ، وثناء عليه ، واستشعارا لعظمته وجلاله ، فلا يباريهم في هذه الميادين من هو دونهم .
ولنا مع أحد أولئك الصفوة العظام وقفة وإشراقة ، يتجلى من خلالها معاني العبودية التي تحققت في نفوسهم ، حين أشربت بمحبة لله وتعظيمه .
يحكي النبي – صلى الله عليه وسلم – ما وقع لنبي الله عيسى عليه السلام ، حين مر على رجل فرآه يأخذ مالا لا يحل له ، فخاطبه عليه السلام موبخا : ( أسرقت ؟ ) وهو سؤال يحمل معنى الإخبار بدليل الرواية الأخرى عند مسلم : ( سرقت ) .
وبدلا من أن يعترف الرجل بذنبه ، ويستغفر من زلـله ، ويخجل على نفسه ، وهو يرى افتضاح أمره أمام نبي يتنزل عليه الوحي صباح مساء ، إذا بالعزة الآثمة تأخذه ، فيقسم بأغلظ الأيمان وأعظمها أنه لم يسرق شيئا : " كلا والله الذي لا إله إلا هو " .
ما أعظمها من يمين ، تضمنت المعنى الذي كرس نبي الله عيسى عليه السلام حياته كلها لتبليغه والدعوة إليه ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبودية .
ولأجل ما قام في قلب نبي الله عيسى عليه السلام من تعظيم لجلال ربه ، أرجع الخطأ إلى عينه ، وألقى التهمة على نفسه ، يقول الإمام ابن القيم معلقا على ذلك : " والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبا ، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره ، فرد التهمة إلى بصره " .
وقفات مع القصة
رأينا في ثنايا القصة كيف أرجع نبي الله عيسى عليه السلام الخطأ على نفسه رغم معاينته له ووقوفه عليه ، إذا تأملنا ذلك تبين قدر الجناية التي يرتكبها البعض عندما يسيئون الظن بإخوانهم المؤمنين ، ويبنون ظنونهم على أوهام مجردة وأقاويل شائعة ، ولا يقبلون اعتذارا ولا أيمانا ، فلأولئك جاء قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } ( الحجرات : 12 ) .
ولا ريب أن إحسان الظن بالمسلمين سبب ظاهر في إبقاء العلاقات الأخوية متينة الوثاق قوية الإحكام ، وبذلك تحيا القلوب صافية مطمئنة ، وقديما قالوا : " لأن تحسن الظن فتخطيء ، خير من أن تسيء الظن فتندم " .