هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في السلام

0 1787

بين أول الأنبياء وآخرهم رابطة مشركة وعادة متبعة لا يعلمها كثير من الناس ، فآدم عليه السلام هو أول من استخدم التحية الإسلامية حينما علمه ربه السلام على الملائكة ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم – جعلها رمزا خاصا لأمته تميزها عن باقي الأمم .

فاليهود كانوا يحيون بعضهم إشارة بالأصابع ، والنصارى كانوا يشيرون بأكفهم ، أما المسلمون فقد أبدلهم الله تعالى عن هذا كله بخير تحية وأفضل سلام : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .

وهذه التحية المتميزة في ألفاظها – فهي مأخوذة من اسم الله " السلام " كما في الحديث الصحيح – العميقة في مدلولاتها – بما تحمله من معاني الرحمة والمودة – العظيمة في تأثيرها – فأثرها واضح في توثيق العلاقات وصفاء القلوب – هي خير بديل عن تحايا أهل الجاهلية ، فلا عجب إذا أن يحسدنا اليهود عليها ، كما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين ) رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد .
وقد دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على فضل هذه التحية ، فبين الله عزوجل كونها تحية أهل الجنة ، قال تعالى : { وتحيتهم فيها سلام } ( يونس : 10 ) ، وفي السنة ذكر للأجر المترتب عليها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلس فقال : سلام عليكم ، فقال له : ( عشر حسنات ) ، ثم مر آخر فقال : سلام عليكم ورحمة الله ، فقال له : ( عشرون حسنة ) ، ثم مر ثالث فقال : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال له : ( ثلاثون حسنة ) ،رواه ابن حبان في صحيحه .

وكذلك بين النبي – صلى الله عليه وسلم – أثر هذه التحية في تقوية الروابط الأخوية فقال : ( أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم ، وأوضح أنها سبب من أسباب دخول الجنة فقال : ( اعبدوا الرحمن ، وأطعموا الطعام ، وأفشوا السلام ، تدخلوا الجنة بسلام ) رواه الترمذي ، وجعلها النبي – صلى الله عليه وسلم حقا من حقوق الأخوة فقال : ( حق المسلم على المسلم ست – وذكر منها - إذا لقيته فسلم عليه ) رواه مسلم ، ونهى عن تركها واعتبر ذلك دليلا على بخل صاحبها فقال : ( أبخل الناس من بخل بالسلام ) رواه الطبراني ، وجعلها علامة المصالحة وعود الود فقال : ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) متفق عليه .

وبالعودة إلى سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، نجد أنه كان من أكثر الناس إفشاء للسلام ، دون أن يفرق بين صغير وكبير ، وصديق وغريب ، ورجل وامرأة ، فها هو عليه الصلاة والسلام يمر على قوم لا يعرفهم ولا تربطه بهم علاقة ، في مكان يقال له " الروحاء " فيبتدرهم بالسلام ، رواه أبو داود ، وأشار إلى فضل ذلك عندما سئل : أي الإسلام خير فقال : ( أن تطعم الطعام وتقرأ السلام ، على من عرفت ومن لم تعرف ) متفق عليه .

وكان يمر على الجماعة من الغلمان فيسلم عليهم ، كما حكى عنه خادمه أنس رضي الله عنه ، ويمر عليه الصلاة والسلام على جماعة من النساء فيسلم عليهن ويعظهن – كما حدثت بذلك أسماء بنت يزيد رضي الله عنها - .

وفي كيفية سلامه عند الدخول على أهل بيته يقول الصحابي الجليل المقداد بن عمرو رضي الله عنه : " ..يسلم تسليما لا يوقظ نائما ، ويسمع اليقظان " رواه مسلم .

وقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه جملة من الآداب المتعلقة بهذه التحية ، منها : أن الراكب يسلم على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير ، ويرشد عليه الصلاة والسلام إلى الإكثار من السلام فيقول : ( إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه ) رواه أبو داود ، وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم –  السلام عند المجيء إلى القوم ، والسلام عند الانصراف عنهم ، كما قال : ( إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، ثم إذا قام فليسلم ؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه الترمذي ، إضافة إلى هدي القرآن في الحث على رد التحية بأحسن منها أو مثلها كما قال تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا } (النساء86:) .

وهذه الآداب المذكورة سابقا إنما هي مختصة بالمسلمين دون غيرهم ، فلا يجوز ابتداء الكفار بتحية الإسلام كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام ) رواه مسلم ، والنهي هنا عن لفظ السلام خاصة لما يتضمنه من معان خاصة لا تنبغي لكافر ، ويمكن بدلا عن ذلك تحيتهم بغيرها من ألفاظ الترحيب ، وأما رد السلام عليهم فيكون بمثلها دون زيادة في ألفاظها أو تعد على أصحابها ؛ فإن ذلك مناف لمعاني الرفق والحلم مع المشرك ، يشير إلى ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن يهودا أتوا إليه - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليكم ، فردت عليهم : عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم ، فقال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( مهلا يا عائشة ،  عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش ) ، فقالت له : أو لم تسمع ما قالوا ؟ ، فقال : ( أو لم تسمعي ما قلت ؟ رددت عليهم ، فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم ) متفق عليه

وكان هديه – صلى الله عليه وسلم – إذا مر بجمع يضم مسلمين وغيرهم أن يسلم قاصدا بتحيته المسلمين ، فقد أخبر أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بمجلس وفيه أخلاط من المسلمين واليهود فسلم عليهم ، رواه الترمذي .

والمشهور من تحية النبي – صلى الله عليه وسلم – قول : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ، وفي الرد : " وعليكم السلام ورحمة الله " ، وأحيانا كان يرد بقوله : " وعليك ورحمة الله " ، كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رد على تحيته بقوله : ( وعليك ورحمة الله ) رواه مسلم .

وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يكره أن يقول المبتديء : " عليك السلام ، فقد جاء عن جابر بن سليم رضي الله عنه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : عليك السلام يا رسول الله ، فقال له : ( لا تقل عليك السلام ؛ فإن عليك السلام تحية الميت ، قل السلام عليك ) رواه أبو داود .

كما جاء النهي عن السؤال أو دعوة أحد إلى الطعام قبل السلام ، كما جاء في قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( السلام قبل السؤال . فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ) رواه ابن النجار ، وفي حديث آخر : ( لا تدعوا أحدا إلى الطعام حتى يسلم ) رواه الترمذي ، وكذلك جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : ( لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ) رواه أبو يعلى .

وللمعاني التي تحملها تحية الإسلام والآثار التي تحققها شرع النبي – صلى الله عليه وسلم- تبليغ سلام الغائبين إلى أصحابه ، أو طلب توصيل السلام إليهم ، كما بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – سلام جبريل عليه السلام إلى زوجته خديجة رضي الله عنها ، وإلى عائشة رضي الله عنها .

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا بلغه أحد السلام عن غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ ، كما ثبت في سنن أبي داود أن رجلا قال له عليه الصلاة والسلام : إن أبي يقرئك السلام ، فقال له : ( عليك وعلى أبيك السلام ) .

أما رد السلام فقد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وجوبه ، وجعله حقا من حقوق الأخوة الإسلامية فقال : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ) متفق عليه ، إلا في حال الصلاة فكان عليه الصلاة والسلام يشير باليد ولا يرد التحية باللفظ ؛ لتحريم الكلام في الصلاة كما جاء في الحديث الصحيح : ( إن في الصلاة لشغلا ) متفق عليه ، وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – خرج إلى قباء يصلي فيه ، فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي ، فكان يرد عليهم هكذا – وبسط كفه – " ، رواه أبو داود ، وعن جابر رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم لحاجة - ، ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه ، فأشار إلي ، فلما فرغ دعاني فقال : ( إنك سلمت علي آنفا وأنا أصلي ) رواه النسائي .

ومما يشار إليه هنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ترك السلام أو الرد عليه في بعض الأحوال وعلى بعض الفئات ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يسلم على غير طهارة أو وقت قضاء الحاجة ، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام ، رواه النسائي ، وفي رواية أبي داود : ثم اعتذر إليه فقال : ( إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر ، أو قال على طهارة ) .

وترك النبي – صلى الله عليه وسلم – السلام على بعض العصاة إشعارا لهم بمعصيتهم وعظيم جرمهم ، كما فعل مع كعب بن مالك رضي الله عنه وغيره من المتخلفين عن غزوة تبوك ، ومع الرجل الذي اتخذ خاتما من حديد كما عند البخاري في الأدب المفرد .

تلك إشراقة من إشراقات أدبه عليه الصلاة والسلام وخلقه ، ومنهجه وسنته ، فمن تمسك بها سعد بآثارها ، وتنعم بأجورها ، ومن تركها فقد فاته الخير العظيم ، والمحروم من حرمه الله .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة