- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:القصص النبوي
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر : ( أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار ، يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له بموقها ، فغفر لها ) رواه مسلم .
وعنه رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينا رجل يمشي ، فاشتد عليه العطش ، فنزل بئرا فشرب منها ، ثم خرج ، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي ، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ، ثم رقي فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ) قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم أجرا ؟ ، قال : ( في كل كبد رطبة أجر ) رواه البخاري .
معاني المفردات
بينا رجل : بينما رجل
يأكل الثرى من العطش : كناية عن شدة العطش
أمسكه بفيه : أمسكه بفمه
ثم رقي : رقي بمعنى صعد
في كل كبد رطبة أجر : كناية عن الحيوانات ، والمقصود أن في الإحسان إليها أجر
يطيف ببئر : يدور حوله
أدلع لسانه : أخرج لسانه
بموقها : أي حذائها .
تفاصيل القصة
مهما أوغلت النفوس البشرية في بحار الذنوب وظلمات الغي ، ومهما أسرف أصحابها على أنفسهم بالمعاصي والموبقات ، فسيظل فيها بارق من خير يلوح في جنباتها بين الحين والآخر ، يسوقها سوقا إلى أعمال بر وألوان عطف وإحسان .
ذلك هو العنوان الرئيسي والقضية الكبرى ، والتي ذكرت في القصة الأولى من مشكاة النبوة ، ومعين الرسالة ، في سياق يبين سعة عفو الله ورحمته ، حتى تتلاشى أمامها ذنوب المذنبين ، وكبائر المسرفين .
إننا أمام بغي من بغايا بني إسرائيل ، لم تقع في صغيرة تمحوها الصلاة وأنواع الذكر ، ولم تزل قدمها في كبيرة من الكبائر لتقوم بعدها من كبوتها ، ولكنها امتهنت الفاحشة واستسهلت الرذيلة ، حتى صار ذلك لها علما بين الناس .
وبينما هي تسير لحاجتها في يوم شديد الحر ، إذ لاح أمامها كلب قد أخرج لسانه من شدة الإعياء واللعاب يتقاطر منه ، يقف بالقرب من بئر عميقة ، وينظر إلى قعره ، فيتمنى لو حظي بشربة تطفئ عطشه ، وتروي ظمأه .
حينها أدركتها الرحمة بهذا المخلوق البائس اليائس ، وفكرت في نفسها : كيف يمكنها أن تقدم لهذا الكلب قليلا من الماء يدفع عنه ما نزل به من عطش ؟ ، فلم تجد أمامها سوى خفها تملأ به الماء ، فنزلت البئر ، وملئت الخف ماء ، ثم صعدت إلى أعلى البئر ، وكان الكلب لا يزال ينتظر لاهثا .
وبالنسبة للمرأة انتهى الموقف عند هذا الحد ، ولعله لم يستوطن ذاكرتها طويلا ، لكن الله سبحانه وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا ، فكان صنيعها مع الكلب سببا للتجاوز عن سيئاتها ومغفرة ذنوبها ، كرما منه وفضلا .
أما القصة الثانية فالصورة واحدة في أحداثها وتفاصيلها ، والفارق الذي نرصده هنا أن صاحب هذه القصة رجل وليس امرأة ، وأن الكلب قد بلغ به العطش مبلغا جعله يلحس الأرض يبحث عن قطرة تائهة بين ذراتها ، وأن الرجل كان يقاسم الكلب شعوره وحاجته ، ما دفعه ليمسك الخف بفمه ويملأه بالماء ، ثم يقدمه له .
ويخبرنا الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – كيف كان عمل هذا الرجل موضع قبول وتقدير من الله سبحانه وتعالى : ( فشكر الله له ، فغفر له ) وهذا هو التعقيب الذي يظهر الإحسان الإلهي في أبهى صوره .
وقفات مع القصة
حق علينا أن نحمد ربا لا تحصى آلاؤه عددا، ولا تنقطع فضائله مددا ، فقد وسعت رحمته كل شيء ، ونراه يعفو ويصفح عن المذنبين – كما حصل للبغي - ، ويكافئ ويجازي المحسنين – كما حدث مع الرجل – أضعاف ما فعلوه ، وفوق ما استحقوه ، فيا له من إله عظيم رحيم، صدق حين قال سبحانه : { ورحمتي وسعت كل شيء } ( الأعراف : 156 ) ، وقال : { إن الله لا يضيع أجر المحسنين } ( التوبة : 120 ) .
ولنتأمل الجزاء العظيم الذي حظيت به المرأة ، ونقارنه بعظيم جرمها من جهة ، ويسير عملها الصالح من جهة أخرى ، حينها سندرك أن بواعث الأعمال في القلوب ترفع قدرها وقيمتها عند الله ، فإن تلك المرأة عندما أقدمت على سقي الكلب وصلت إلى مرتبة عالية من الإخلاص والتجرد ، ما كان سببا في العفو عن ذنوبها السابقة ، ويوضح شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك فيقول : " فهذا لما حصل فى قلبها – أي المرأة البغي - من حسن النية والرحمة " .
ولا شك أن الحديث بألفاظه ودلالاته دعوة إلى الإحسان إلى الحيوان ، والرفق به ، فقد جعلها النبي – صلى الله عليه وسلم - عبادة مأثورة ، وصدقة مأجورة ، في قوله : ( في كل كبد رطبة أجر ) رواه البخاري .