- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:من المولد إلى البعثة
اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل أنبياءه ورسله بشرا كغيرهم ، لا يميزهم سوى ما اختصهم به سبحانه من أمور تتطلبها الرسالة وتقتضيها النبوة ، فهم يشتركون مع سائر الناس في الصحة والمرض ، والجوع والشبع ، ويسعون كغيرهم للبحث عن الرزق ، ويقومون بالأعمال التي يحتاج إليها الناس في حياتهم ، ولا يستقيم أمرهم إلا بها.
وسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – غنية بالمواقف الدالة على مشاركته لقومه في الأنشطة المختلفة ، والتي كان من أبرزها ممارسته لرعي الأغنام في مراحل عمره الأولى ، وذلك لأن عمه أبا طالب لم يكن لديه ما يكفيه من المال للقيام بشؤون أسرته ، فأراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يعينه على نفقاته ، فكان يأخذ الغنم من أهل مكة ويرعاها مقابل أجر معلوم .
وكانت هذه المهنة قاسما مشتركا بين الأنبياء جميعا ، كما جاء في حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ما بعث الله نبيا إلا ورعى الغنم ) البخاري ، ومن خلال القيام بهذه المهنة تربى الأنبياء وعلى رأسهم نبينا عليه الصلاة والسلام على معاني الصبر والتحمل ، والرحمة والإحسان ، والتواضع للآخرين ، وغيرها من المعاني المهمة في دعوتهم للناس .
ولما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم – مرحلة الشباب كان يخرج مع عمه أبي طالب في رحلاته التجارية إلى الشام وما حولها ، فاستطاع خلال فترة قصيرة أن يتعلم فنون التجارة ويعرف مداخلها ، حتى أصبح من التجار المعروفين وانتشر خبره بين الناس ، كما استطاع – صلى الله عليه وسلم أن يكتسب ثقة الناس من خلال صدقه وأمانته ، حتى إنهم لقبوه بالصادق الأمين .
وكانت قريش تتعاقد مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في تجاراتها ، فسمعت به خديجة رضي الله عنها ، وعرضت عليه أن يشاركها ، فقبل ذلك وقام على استثمار أموالها ، ولم تمض فترة قصيرة حتى تزوجها وأنجب منها الذرية .
وفي مجال الحرب شارك النبي – صلى الله عليه وسلم - في الدفاع عن مكة وهو ابن أربع عشرة سنة ، عندما أرادت هوازان الهجوم على الحرم واستباحة مقدساته لقتال قريش ، واقتصرت مشاركته عندئذ على جمع السهام ومناولتها لأعمامه .
وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم – حضور في الندوات والاجتماعات التي يعقدها قومه لبحث القضايا المهمة ، ومن ذلك دخوله فيما سمي بـ ( حلف الفضول) ، وهو عقد تم بين مجموعة من قبائل مكة كان منها بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو أسد وغيرها ، واتفقوا على حماية المظلوم ونصرته ، ومواجهة الظالم مهما كانت مكانته وسلطته ، وقد مدح صلى الله عليه وسلم هذا الحلف وقال عنه : ( شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت) رواه أحمد .
وعندما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم – خمسة وثلاثين عاما كان له دور مهم في إعادة بناء الكعبة وتجديدها بعد أن تشققت جدرانها بفعل السيول والأمطار ، حيث شارك قومه في نقل الأحجار مع عمه العباس بن عبد المطلب .
وقد اختاره قومه ليكون حكما بينهم بعد أن اختلفوا في وضع الحجر الأسود ، فأشار عليهم أن يبسطوا رداء ويضعوا الحجر عليه ، ثم تحمله كل قبيلة من زاوية ، ويتولى بنفسه إعادة الحجر إلى الكعبة ، وبذلك استطاع أن يمنع معركة كادت أن تقع بينهم .
وخلال السنوات التي عاشها النبي – صلى الله عليه وسلم – في مكة لم يطمئن قلبه إلى أحوال قومه من الشرك وعبادة الأوثان ، والخمر والفجور ، وغيرها من مظاهر الضلال والفسق ، مما دفعه إلى اعتزال قومه والخروج من هذا الواقع إلى " غار حراء " ، ليتفرغ لعبادة الله وذكره ، والتفكر في عظمة الكون وأسراره .
فكان يقيم في هذا الغار الليالي العديدة ، حتى ينتهي زاده من الطعام والشراب ، فيعود إلى أهله ويتزود مرة أخرى ، كما ثبت في الحديث المتفق عليه أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( جاورت بحراء شهرا...) ، وبقي النبي – صلى الله عليه وسلم – على هذه الحال حتى جاءه الوحي في الأربعين من عمره .
وقد ساعدته هذه العزلة في صفاء روحه وتعلقه بخالقه سبحانه وتعالى ، فكانت من الأسباب التي هيأها الله تعالى للدور العظيم ، والمهمة الكبرى التي سيقوم بها ، وهي إبلاغ رسالة الله للناس أجمعين .