دولة الروم البزنطية ( قبل البعثة )

0 2267

كانت الإمبراطورية البيزنطية تضم الروم في آسيا الصغرى (تركيا حاليا) وتتوسع فتحتل الأقطار الواقعة على حوض البحر المتوسط الشرقي والجنوبي , وبذلك جمعت أجناسا عديدة من البربر والقبط والعرب إلى جانب الروم , ولم يكن بين هذه العناصر تجانس في الجنس واللغة والثقافة والتقاليد , ورغم انتشار النصرانية بين هذه الشعوب , لكنها لم تحقق لها الانسجام بسبب الخلاف المذهبي الذي اضعف ولاء رعايا الإمبراطورية في الشام ومصر لها وكان نظام الحكم ملكيا مطلقا .

 فالنصرانية لا تنظم المجتمع والدولة , بل تكتفي بتنظيم العلاقة بين الناس وخالقهم وشعارها (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) .

1- الحالة السياسية والاقتصادية :

وكانت الفكرة السائدة التي تدعمها الكنيسة النصرانية هي أن الله اختار الإمبراطور لهذا المنصب , فأضحى بذلك موطن تبجيل وتقديس من رعاياه في أمور السياسة والدين وكانت الطقوس والمراسيم تجري في البلاط بمشاركة الكنيسة ورجال البلاط , فإذا طلع الإمبراطور ركعوا أمامه جميعا. ورغم النصرانية فإن القانون الروماني والحضارة اليونانية الوثنية كانا يسودان الحياة.

إن الإمبراطور البيزنطي الذي عاصر ظهور الإسلام هو هرقل 610 - 641م ويعتبر من أعظم الأباطرة في التأريخ البيزنطي , حيث سعى إلى تجديد الإمبراطورية و إعادة تنظيم الدولة وبناء جيوشها وزيادة ثرائها بتنظيم الضرائب وطرق الجباية وتمكن من إحراز النصر على الإمبراطورية الساسانية التي كانت تتفوق عسكريا على الروم .

وقد أشار القرآن الكريم إلى النصر الرومي النصراني على فارس المجوسية , وفرح المسلمون في مكة به , وكانت حملات هرقل على فارس بين سنتي 622 - 628م (سنة12 بعد البعثة المحمدية - 5هـ)

أما الحالة الاقتصادية , فإن الربا والاحتكار هما أساسا النظام , وقد فرض هرقل ضرائب جديدة على أهالي الولايات المستائين من الحكم الروماني لتسديد الدين الكبير لحروبه مع فارس , وقد أصيبت الإمبراطورية البيزنطية بانحطاط هائل نتيجة المغالاة في المكوس والضرائب والانحطاط في التجارة وإهمال الزراعة وتناقص العمران , ويكفي لبيان كيفية إدارة الإمبراطورية للولايات الخاضعة لها أن نستشهد بقول بتلر عن إدارة مصر : (إن الروم كانوا يجبون من مصر جزية على النفوس , وضرائب أخرى كثيرة العدد) ويقول : (مما لا شك فيه إن ضرائب الروم كانت فوق الطاقة وكانت تجري بين الناس على غير عدل) ويقول (إن حكومة مصر الروحية لم يكن لها إلا غرض واحد , وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة  للحاكمين). وحتى الروم أنفسهم تعرضوا لثقل الضرائب وخاصة الفلاحين الذين اضطرتهم الضرائب الباهضة إلى بيع أراضيهم والهجرة إلى المدن .

2- الحالة الدينية والفكرية :

رغم أن الإمبراطورية البيزنطية تدين بالنصرانية , لكن تعاليم النصرانية لم تبق كما جاء بها عيسى عليه السلام "بل إن تعاليم الكنيسة انطوت على قدر كبير من تفكير الفلاسفة الوثنيين , واستخدمت الكنيسة وسائلهم واسلحتهم العقلية في شرح العقيدة المسيحية" .

وخلاصة القول أن النصرانية الحقة فقدت روحانيتها ووحدانيتها لما أدخله إليها داعيتها الكبير بولس من تعاليم وثنية نشأ عليها قبل تنصره , ولما تنصر الإمبراطور البيزنطي قسطنطين أدخل إليها مزيجا من الخرافات اليونانية والوثنية الرومانية والأفلاطونية المصرية والرهبانية , وبذلك تحرفت الديانة وضاعت تعاليمها الأصلية , وانحدرت إلى عبادة القديسين والصور  .

وقد وقع الخلاف المذهبي الذي كان محوره تفسير طبيعة المسيح عليه السلام بين سكان الإمبراطورية , فقد تبنت الدولة مذهب الملكانية الذي يرى أن للمسيح طبيعتين ؛ إلهية وبشرية , في حين انتشر مذهب اليعاقبة والمنوفستية في بلاد الشام ومصر , وهو يرى أن للمسيح طبيعة واحدة إلهية , وقد أدى هذا الاختلاف إلى شقاق عنيف بين الدولة ورعاياها , وحاول هرقل توحيد مذهب الإمبراطور , فعقد مجمعا دينيا انتهى إلى إقرار عدم الخوض في طبيعة المسيح والاكتفاء بالقول بأن لله إرادة واحدة, لكن المصريين قاوموه فاضطهدهم بالتعذيب والتحريق , وفشلت محاولة التوحيد الديني , وضعف ولاء اليعاقبة والمنوفستية في الشام ومصر للإمبراطورية البيزنطية .

وهذا الخلاف المذهبي يوضح مدى الانحدار الفكري والانحراف العقدي الذي أصاب شعوب الإمبراطورية حتى جعلوا عيسى عليه السلام وهو عبد الله ورسوله إلها سبحان الله عما يقولون . وكانت طبقات المجتمع البيزنطي جميعا تؤمن بالتنجيم , والتنبؤ بالغيب , والعرافة , والاتصال بالشياطين والتمائم.

3- الحالة الاجتماعية والأخلاقية :

انتقلت تقاليد المجتمع اليوناني والروماني إلى الدولة البيزنطية , فلا غرابة إذا ما شاع الفساد الأخلاقي والانحلال الاجتماعي داخل البلاط وفي أوساط الشعب . وكان الإمبراطور وقادة الجيش وكبار رجال الكنيسة يعيشون في أعلى السلم الاجتماعي في حين يقبع آلاف العبيد في المزارع الضخمة حيث يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى المعيشة . ويقترب من مستواهم المعيشي الأحرار الذين يشتغلون في الصناعات , وهذه الطبقات من الفقراء كانوا يحسون بسوء حالهم , وكثيرا ما حاولوا القيام بثورات لم يوفقوا فيها . وكان أصحاب الأعمال الذين يستخدمونهم يؤلفون من بينهم طبقة وسطى كبيرة العدد.

وهكذا فإن الطبقية والإقطاع وفقدان العدالة الاجتماعية كانت تطبع المجتمع البيزنطي , كما كانت القسوة والعنف والتعصب والجهل والخرافة تطبع حياة الأفراد , وما ذلك إلا بسبب ضعف الإيمان الصادق بالله ورسله , وطغيان المظاهر الخادعة على الحياة الدينية في الإمبراطورية. ورغم مظاهر الضعف والفساد في الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية في وقت ظهور الإسلام وقيام حركة الفتوح الإسلامية , فإن الخطأ المبالغة في وصف ضعفها , فقد تمكنتا من حشد جيوش جرارة أمام تقدم المسلمين , وكانت جيوشهما تتفوق عددا وعدة على المسلمين , ولكن الإيمان الصادق وروح الجهاد ونصر الله للمسلمين هو الذي أكسبهم المعارك الطويلة التي خاضوها ضد قوى منظمة وجيوش متمرسة وقلاع حصينة وأمم عريقة .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة