أرقام قرآنية

1 2264

لا يخفى قيمة الرقم في عالم اليوم، حتى أصبح الرقم يتحكم في غالب النشاط الإنساني. وكان الرقم -كقيمة حسابية- حاضرا في كثير من الآيات القرآنية لحكمة يعلمها الله، علمها من عباده من علمها، وجهلها من جهلها.

وقد نقل السيوطي في "إتقانه" عن ابن سراقة، قال: "من بعض وجوه إعجاز القرآن ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب...؛ ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب، أنه صلى الله عليه وسلم صادق في قوله، وأن القرآن ليس من عنده؛ إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة، ولا تلقى الحساب".

هل من حكمة وراء ذكر الرقم في القرآن؟

لا شك أن الجواب على هذا السؤال بالإيجاب؛ فما دام القرآن قد ذكر رقما ما، فإنه قاصد له، ومريد لمضمونه. لكن هل المراد معلوم لنا أم غير معلوم؟ هذا أمر وراء ما تقدم، فقد يستبين لنا معناه، وقد يخفى عنا، وقد يعلمه الراسخون في العلم، ويخفى على غيرهم.

فمثلا، قوله سبحانه: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة:234)، فتحديد هذه المدة قد يتبين لنا الحكمة منه، وقد يخفى عنا، ويكون مما استأثر الله بعلمه. يقول الآلوسي في أثناء تفسيره لهذه الآية: "لعل ذلك الرقم لسر تفرد الله تعالى بعلمه، أو علمه من شاء من عباده".

ومن ذلك أيضا، قوله عز وجل: {عليها تسعة عشر} (المدثر:30)، فالتحديد بهذا الرقم لا يتبين لنا حكمة من ورائه، والمعتمد في مثل هذا التحديد أن نكل علمه إلى الله، ونؤمن به كما ورد.

ونستطيع من خلال استقراء النصوص القرآنية التي ذكرت فيها أرقام معينة، أن نتبين شيئا من مقاصد القرآن في ذكر الأرقام وفق التالي:

أولا: التحديد وبناء الحكم الشرعي على الرقم المذكور. من أمثلة هذا قوله تعالى في بيان عدة المطلقة: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة:228)، وقوله تعالى في عدة المتوفى عنها زوجها: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة:234)، فالرقم في هاتين الآيتين ونحوهما مراد منه تحديد فترة معينة، يترتب عليها حكم شرعي.

ثانيا: تقرير حقائق كونية. من أمثلة ذلك قوله سبحانه: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا} (التوبة:36)، وقوله تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} (الحج:47)، ونحو هذا قوله سبحانه: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} (الأعراف:54)، فالأرقام في هذه الآيات ونحوها تبين حقائق كونية. 

ثالثا: بيان الكثرة والمبالغة من غير قصد للرقم نفسه. من ذلك قوله سبحانه: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} (التوبة:80)، قال ابن عاشور: "و{سبعين مرة}: غير مراد به المقدار من الرقم، بل هذا الاسم من أسماء الرقم التي تستعمل في معنى الكثرة". وقال صاحب "الكشاف": "السبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثر".

رابعا: أن يذكر الرقم لمجرد التنبيه من غير أن يحمل دلالة ما، ويعبر عن هذا أهل الأصول بقولهم: العدد لا مفهوم له. ومن الأمثلة على هذا قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} (المجادلة:7)، قال الفراء: "الرقم غير مقصود؛ لأنه سبحانه مع كل عدد قل أو كثر، يعلم السر والجهر، لا تخفى عليه خافية"؛ لذلك قال في الآية نفسها: {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا}. 

خامسا: قد يذكر الرقم لمعنى يقتضيه سياق النص والحدث، من ذلك قوله سبحانه: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا} (يوسف:4)، قال الآلوسي: "ولم يطو ذكر الرقم؛ لأن المقصود الأصلي أن يتطابق المنام ومن هو في شأنهم، وبترك الرقم يفوت ذلك"، يعني: أن عدد الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام في منامه توافق عدد إخوته.

سادسا: قد يراد بذكر الرقم حقيقته الرقمية، من أمثلة ذلك قوله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3)، فالرقم هنا مراد به الحقيقة الرقمية، قال أبو حيان: "والظاهر أن {ألف شهر} يراد به حقيقة الرقم، وهي ثمانون سنة وثلاثة أعوام".

أرقام قرآنية

ثم باستقراء الأرقام الواردة في القرآن الكريم، نجد أنه اشتمل على الأرقام العشرية كلها.

فالرقم (واحد) ورد في العديد من الآيات، من ذلك قوله سبحانه: {كان الناس أمة واحدة} (البقرة:213). وأكثر ما ورد هذا الرقم في الآيات التي تؤكد على وحدانية الخالق: كقوله تعالى: {وإلهكم إله واحد} (البقرة:163). وهذا الرقم ورد بصيغتي التذكير (واحد)، والتأنيث (واحدة). 

والرقم (اثنان) ورد في مواضع من القرآن، مفردا ومركبا، من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} (المائدة:106)، وقوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} (النحل:51). وهذا الرقم ورد بصيغتي التذكير والتأنيث أيضا. 

والرقم (ثلاثة) ورد في مواضع غير قليلة من القرآن، من ذلك قوله سبحانه: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} (المائدة:73)، وقوله أيضا: {وكنتم أزواجا ثلاثة} (الواقعة:7).

والرقم (أربعة) ورد في مواضع من القرآن، من ذلك قوله تعالى: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} (النور:13)، وقوله سبحانه: {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} (فصلت:10).

والرقم (خمسة) ورد في مواضع من القرآن، من ذلك قوله سبحانه: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} (المجادلة:7)، وقوله تعالى: {ويقولون خمسة سادسهم كلبهم} (الكهف:22).

والرقم (ستة) ورد في مواضع من القرآن، من ذلك قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} (الأعراف:54). وأكثر ما ورد هذا الرقم في بيان المدة التي خلق الله فيها السماوات والأرض.

والرقم (سبعة) ورد في مواضع من القرآن، من ذلك قوله سبحانه في ذكر أبواب جهنم: {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} (الحجر:44)، ومنه قوله تعالى: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} (لقمان:27). وهذا الرقم أكثر ما ورد في وصف السماوات بأنها سبع، كقوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات في يومين} (فصلت:12). 

والرقم (ثمانية) ورد في مواضع من القرآن، من ذلك قوله تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} (الزمر:6)، ومنه أيضا قوله عز وجل: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة:17).

والرقم (تسعة) ورد في مواضع من القرآن، من ذلك قوله سبحانه: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} (النمل:49)، ومن ذلك قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} (الإسراء:101).

والرقم (عشرة) ورد في مواضع عديدة من القرآن، من ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} (المائدة:89)، ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} (الأنعام:160).

ومن الأعداد المركبة ورد في القرآن الأعداد التالية: قوله سبحانه في قصة يوسف عليه السلام: {إني رأيت أحد عشر كوكبا}. وقوله سبحانه: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا}. وقوله عز وجل في ذكر عدد خزنة جهنم: {عليها تسعة عشر}. ولم يرد غير هذا من الأعداد المركبة.

وألفاظ العقود وردت جميعها في القرآن، فالرقم (عشرة) ورد مفردا ومركبا، ومذكرا ومؤنثا، وتقدمت أمثلته، ونضيف إليها قوله سبحانه: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} (البقرة:60).

والرقم (عشرون) ورد في قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} (الأنفال:65). ولم يرد هذا الرقم إلا في حالة الرفع. 

والرقم (ثلاثون) ورد في قوله سبحانه: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} (الأحقاف:15)، وورد هذا الرقم في حالة النصب في قوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} (الأعراف:142)، ولم يرد هذا الرقم في غير هذين الموضعين.

والرقم (أربعون) ورد في قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} (البقرة:51)، ولم يرد هذا الرقم إلا في حالة النصب.

والرقم (خمسون) ورد في قوله سبحانه: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} (العنكبوت:14)، وقوله سبحانه: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} (المعارج:4). ولم يرد هذا الرقم في غير هذين الموضعين.

والرقم (ستون) ورد في موضع واحد فقط، وذلك في بيان كفارة الظهار في قوله سبحانه: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} (المجادلة:4).

والرقم (سبعون) ورد في قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} (الأعراف:155)، وقوله سبحانه: {ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} (الحاقة:32).

والرقم (ثمانون) ورد في موضع واحد فقط، وذلك في بيان حد القذف في قوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} (النور:4).

والرقم (تسعون) ورد في موضع واحد أيضا، وذلك في قوله تعالى: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} (ص:23).  

ومن أعداد (المئات) ورد الرقم (مئة) في مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: {فأماته الله مائة عام ثم بعثه} (البقرة:259)، ومنها أيضا قوله سبحانه: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} (البقرة:261).

ومن مضاعفات الرقم (مئة) ورد الرقم (مئتان)، وذلك في قوله سبحانه: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} (الأنفال:65)، وقوله أيضا: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} (الأنفال:66)، ولم يرد هذا الرقم في غير هذين الموضعين. 

والرقم (ثلاث مئة) ورد في قصة أصحاب الكهف، في قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} (الكهف:25)، ولم يرد في غير هذا الموضع. 

والرقم (ألف) ورد في مواضع من القرآن، منها قوله سبحانه: {ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} (البقرة:96).

ومن مضاعفات الرقم (ألف) ورد الرقم (ألفان)، في قوله سبحانه: {وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله} (الأنفال:66)، ولم يرد في غير هذا الموضع. ومن مضاعفاته أيضا الرقم (ثلاثة آلاف)، ورد قوله تعالى: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} (آل عمران:124). ولم يرد في غير هذا الموضع. ومن مضاعفاته أيضا الرقم (خمسة آلاف)، ورد في قوله سبحانه: {هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} (آل عمران:125)، ولم يأت في غير هذا الموضع. 

ومن مضاعفات الرقم (ألف) أيضا، ورد الرقم (مئة ألف)، في قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} (الصافات:147).

وورد جمع الرقم (ألف) في قوله سبحانه: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} (البقرة:243). ولم يرد هذا الجمع في غير هذا الموضع. 

أما ما جاء من أسماء الأعداد في القرآن -وهو ما كان على صيغة مفعل وفعال- فقد جاء من الأرقام واحد إلى أربعة فقط، وذلك في قوله تعالى: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى} (سبأ:46)، وقوله سبحانه: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} (النساء:3)، وقوله عز وجل: {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} (فاطر:1). ولم يأت -بحسب هاتين الصيغتين- غير هذه الآيات الثلاث. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة