- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
أمرنا الله تعالى أن ندرس حياة بين إسرائيل لأنها الأمة التي سبقتنا، وكانت فيها انحرافات أخبرنا أننا سنقلدهم فيها، وكان فيهم بلايا سنتبعهم عليها كما قال صلى الله عليه وسلم: [لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن] متفق عليه عن أبي سعيد الخدري.
وتعالوا معي لنعيش لحظات مع بني إسرائيل: بعد أن أنجاهم الله تعالى من فرعون وانتقلوا مع نبيهم إلى بيت المقدس أمرهم نبيهم أن يدخلوا الأرض المقدسة فلسطين.. فما كان جوابهم إلا أن قالوا: "إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"
هنا خرج رجلان فقالا كلمة الحق المنيرة "ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"، "قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون".
فماذا قال فيهم موسى عليه السلام: "قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين". فسماهم فاسقين وهم مع نبيهم يصلون ويصومون!! فلماذا قال عنهم فاسقين؟! لأنهم تركوا الانصياع للأمر بالجهاد.
وأكد الله تعالى وصف موسى لهم بالفسق وكتب عليهم التيه أربعين سنة كاملة وحرم عليهم فيها النصر ودخول الأرض المقدسة...
فسق وتيه وخذلان.. كل ذلك لأنهم فرقوا بين العبادة والجهاد، ورفضوا أن يقاتلوا في سبيل الله، وظنوا الدين صومعة أو ديرا أو مجرد شعائر ظاهرة من غير قتال لنصرة الدين ورفع راية الحق والإيمان.
ونحن منذ عقود ونحن في هذا التيه، منذ سقطت الخلافة وبعدها هزيمة 48 وبعدها 56 وبعدها 67، ولما حاولنا العودة إلى الله في 73 حاربنا عشرة أيام ـ كاد النصر يتحقق فيها ـ ولكنهم سرقوه من بين أيدينا وقالوا: "إنما كنا نحارب لعودة المفاوضات إلى الطاولة"!!، وسرق النصر وضاعت الفرصة.. ومن يومها منذ 35 سنة بالتمام دخلنا تيه سرداب السلام الخادع منذ نبذنا الجهاد علنا ورضينا بسلام الخنوع كخيار استراتيجي، ومن يومها ونحن في التيه ندخل جحر ضب ثم نخرج منه لندخل في جحر آخر..
فكيف نخرج من هذا التيه؟!
نخرج كما خرجت بنو إسرائيل..
والسؤال كيف خرجت بنو إسرائيل منه؟
والجواب.. كانت بداية الخروج بعد أربعين سنة مات فيها موسى ومات هارون ومات هؤلاء المخذولون الناكصون عن القتال، ونبت نبت جديد يقولون: "ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله".. فهم جديد، وانبعاث جديد وهمة جديدة.. وكان لابد من التمييز "فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم"، وهذا القليل كان لابد أيضا من التصفية والتنقية والاصطفاء "إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني"..... "فشربوا منه إلا قليلا منهم"، وهذا لنعلم أنه لابد من تصفية وتنقية الصف المؤمن والاختيار للعصبة التي تستحق النصر، وهذه العصبة المختارة بعد كل هذه الابتلاءات إذا وجدت فلابد أن يتحقق فيها موعود الله "فهزموهم بإذن الله".
أعود بكم إلى غزة هاشم غزة الصمود.. لنرى من خلالها إرهاصات النصر.. عصبة مؤمنة "وهم أهل غزة رجالها ونساؤها" قالت لا للخضوع، لا للذل، لا للقهر، لا للاستسلام، وأهلا بالجهاد في سبيل الله، قاموا بأيديهم المتوضئة وجباههم الساجدة وبأقل إمكانات ليقفوا في وجه أعتى دولة في الشرق أفتكها سلاحا وأشدها شراسة وأقذرها أخلاقا، قوة أسقطت ثلاث دول بجيوشها المجهزة وجحافل جنودها في ستة أيام، مازالت تلك المقاومة البسلة العزلاء تقف أمامها بلا شيء يذكر في دنيا المعارك.. إنها معجزة عسكرية بكل المعاني.
إن بشائر الأمل ليست في صواريخ القسام، ولا جراد ولا الكاتيوشا.. لا.. لا. ولكن بشائر النصر والأمل في أمة تحولت من أمة تقول: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" إلى أمة تقول: "ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله" . ومن أمة تقول: "نخشى أن تصيبنا دائرة " إلى أمة تقول: "وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا"، ومن أمة تقول: "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" إلى أمة تقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل" ، "ومالنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون".
تحول له ما بعده
إننا لا ينبغي أن ننظر إلى المسألة بحالتها الراهنة ولكن يجب أن ننظر إلى ما قبلها وما بعدها لنعرف ماذا نعني بإرهاصات النصر.
بعد المجازر والخيانات في سنة 48 كان المعتقد أن اليهود لا يمكن مقاومتهم، وكان اليهود يفعلون كما التتار ينادون على الناس في مكبرات الصوت ليتجمعوا في مكان كذا فيذهب الناس كالأغنام ثم يأتي اليهود فيقتلونهم.
أن يتحول هذا إلى طفل وشاب ينحني ليأخذ حجرا يضرب به دبابة، أو يركض به خلف جني يهودي مدجج بالسلاح لاشك أنه تغير هائل في البنية النفسية، إنه تحول خطير في الإرادة، وتغير كامل في العقيدة.
هذه الصواريخ التي يقولون إنها لا تثقب حائطا ولا تفعل شيئا (ولو لم تكن لها نكاية في العدو ما فعلوا كل هذا).. ولكن حتى لو لم تكن تفعل شيئا فإنها دلالة قبل أن تكون نكاية. دلالة على أنها أمة تريد أن تقاوم وتقاتل وتجاهد.
إن هؤلاء لا يملكون مصانع للأسلحة ولا أماكن ثابتة، بل حتى ورش الحدادة كان اليهود يدكونها على رؤوس أصحابها، ومع ذلك بدأ القوم يعملون (ماسورة حديدية فيها بعض البارود تطير لمسافة 5 كيلومترات.. ثم زادت المتفجرات وزادت المسافة وهكذا 10 ثم 20 ثم الآن وصلت خمسين كيلومترا تضرب في العمق الصهيوني.. أليس لهذا دلالة ولو على قوة الإرادة ؟!
والعجب العجاب في جبهة داخلية كانت إسرائيل تراهن عليها بأنها لن تتحمل أياما من القصف وقبله الحصار والتجويع ثم تنتفض على قيادتها.. ولكن إذا بالجميع يفاجأ بجبهة متماسكة إلى حد الغرابة، وإذا بنا نسمعهم بآذاننا ونراهم بأعيننا.. يموت لهم الشهداء ويشردون ومع ذلك تسمعهم يقولون: "وما المشكلة أن نموت في سبيل الله؟ وما قيمة الحياة إذا لم تدفع ثمنا لإرادة وعقيدة؟!" ، وتخرج علينا امرأة لتقول: "إذا كان عندهم طائرات فعندنا إرادة وسنقاتلهم ولو بالحجارة، وإما أن ننتصر وإما أن نموت شهداء". هذا كلام عجيب له دلالته لاشك.
لقد ظللنا زمانا نسمع قيادات وزعامات تتحدث من وراء الميكروفونات، لم نسمعهم يذكرون آية ولا حديثا ولا يذكرون الله أبدا ـ لا قليلا ولا كثيرا ـ حتى كأنك تسمع لزعيم من خارج بلاد المسلمين، وحتى يتساءل الإنسان هل هؤلاء يعرفون الله والإسلام.. فإذا بنا نسمع قيادات تذكر الله وتحمده على مصابها، وتستعين به في قتالها، وتتمنى عليه، وترجو نصره، وتخطب الجمعة وتصلي بالناس، وتقودهم في الميدانين: ميدان العبادة والطاعة، وميدان المعركة والجهاد في سبيل الله..
بصيص النور
إن ما يحدث في غزة هو بصيص النور الذي يظهر لنا من نهاية سرداب التيه، والشمعة التي تريد أن تضيء لنا طريق الخروج منه.. ولذلك اجتمع عليها الكفار والمشركون ومعهم العملاء والمنافقون ينفخون فيها يريدون إطفاءها لأنهم يعلمون أنها لو أضاءت وسار الناس في ضوئها فخرجوا من التيه فلن يبقى إلا "فهزموهم بإذن الله" فهم يعملون جهدهم ألا تظل مشتعلة.
ونحن لابد لنا ويجب علينا بكل سبيل ممكن أن نعمل على حماية هذه الشعلة الصغيرة ونحوطها من كل جانب ونحفظها من هؤلاء حتى لا يتمكنوا من إطفائها فإنها لو أطفئت فسنعود إلى تيه أكبر من الأول لا ندري متى تضيء لنا فيه شمعة أخرى لتخرجنا منه..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.