- اسم الكاتب:محمد الأرناؤوط
- التصنيف:تاريخ و حضارة
مرت قبل أسابيع الذكرى الثلاثون لوفاة الشيخ علي يعقوبي كما عرف في كوسوفا، و علي يعقوب كما عرف في مصر وعلي يعقوب جنكتشلر كما عرف في تركيا، دون أن يتذكره أحد، مع أن الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي قد قدره حق قدره في المقالة التي كتبها عنه في "الموسوعة الإسلامية" (الطبعة التركية. ج7. اسطنبول 1983. ص 370-371).
وفي الواقع فإن ميزة هذه الشخصية تكمن في جمعها لتراث تفرق بعد انهيار الدولة العثمانية في كوسوفا ومصر وتركيا، وهو ما يعطيه خصوصية واضحة في هذا المجال.
ولد علي يعقوبي في قرية ديسفويتسا قرب مدينة كامينتسا بشرق كوسوفا في 1913، أي في السنة التي انتهت فيها حرب البلقان التي انتهت إلى تكريس الاحتلال الصربي لولاية كوسوفا بعد حوالي 500 سنة من الحكم العثماني. وقد ولد علي في أسرة ذات تقاليد علمية، فأبوه الشيخ حسن كان إماما ومن أهل القرآن المعروفين وجده الشيخ يعقوب الذي انتسبت الأسرة إليه كان مفتيا.
وبناء على ذلك فقد سار تعليم الطفل علي في مسارين مختلفين، إذ أنه تعلم القرآن على والده، بينما التحق بالمدرسة الابتدائية في مدينة جيلان القريبة التي أقامتها السلطة الصربية الجديدة، وبعد إكماله الدراسة الابتدائية التحق بالمدرسة الشرعية القديمة أوالعتيقة Atik في مدينة جيلان خلال 1924، وتابع دراساته الإسلامية في مدرسة "مداح" في سكوبية المجاورة خلال 1927-1928.
وبعد كوسوفا ومقدونيا جاءته فرصة لمتابعة دراساته الإسلامية في البوسنة، حيث التحق في 1931 بمدرسة القضاء الشرعي (مكتب النواب) كما كانت تسمى و التي تأسست خلال الحكم النمساوي المجري للبوسنة في 1887 لإعداد قضاة شرعيين، ولكن مرض وموت الوالد اضطره إلى قطع دراسته والعودة إلى بيته. وبعد استقرار الوضع في البيت اختار الشاب علي أن يتوجه هذه المرة إلى القاهرة لمتابعة دراسته في الأزهر، وكان المسلمون في كوسوفا ومقدونيا والبوسنة، الذين أصبحوا ضمن يوغسلافيا يذهبون عادة إلى عاصمة الدولة العثمانية اسطنبول لمتابعة دراستهم، ولكن بعد انفراط الدولة العثمانية وتحول تركيا الحديثة باتجاه الغرب فتح طريق جديد نحو القاهرة، حيث توجه عشرات الطلاب من كوسوفا ومقدونيا والبوسنة للدراسة هناك.
وفي الواقع لقد كان لهذا الانعطاف نتائج بعيدة المدى، إذ أنه جاء في وقت كانت فيه القاهرة تغلي بأفكار الإصلاح والتجديد الديني، مما انعكس ذلك على هؤلاء الطلبة بعد عودتهم إلى بلادهم.
وفيما يتعلق بكوسوفا فقد كان الشاب علي يعقوبي ضمن كوكبة الطلبة الكوسوفيين (حسين لطيفي ومحرم تحسيني وحسين خوجا وتوفيق إسلامي وفتحي ميكا إلخ) وقد بقي الشاب علي في الأزهر حوالي 10 سنين (1936-1946).
بالإضافة إلى الدراسة في الأزهر، فقد حظي الشاب علي بملازمة شخصين مهمين من علماء الدولة العثمانية ممن لجؤوا إلى مصر بعد الانقلاب الكمالي، وهما الشيخ مصطفى صبري، والشيخ إحسان أفندي والد الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي.
ويذكر الشيخ علي أنه كان يذهب بانتظام مرة في كل أسبوع عند الشيخ مصطفى صبري، حيث يقضي النهار بأكمله حتى منتصف الليل. ومن المؤكد أن ملازمة الشاب علي لهاتين الشخصيتين أفادته كثيرا في تكوين ذاته وتوسيع مداركه وخبرته في الحياة. ومن ناحية أخرى فقد كانت تلك السنوات الذهبية للجالية الألبانية في مصر، التي كانت تتمتع برعاية من الملك فاروق، خاصة بعد أن لجأ إلى القاهرة ملك ألبانيا أحمد زوغو مع حاشيته. وبفضل هذه الرعاية تمكن الشاب علي من أن يلتحق للعمل بالمكتبة المركزية لجامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة لاحقا) حيث بقي يعمل فيها حوالي 10 سنوات 1947-1957 حيث اشتهر آنذاك بخبرته في الوثائق والمخطوطات العثمانية. وتجدر الإشارة هنا إلى الشيخ يعقوب الذي عرف بحبه للغات ومعرفته لستة لغات (الألبانية والتركية والصربية والعربية والفرنسية والروسية).
ولكن بعد ثورة 1952 تشتت الجالية الألبانية في مصر، كما أن وصول الحزب الشيوعي إلى الحكم في بلاده قطع على الشيخ علي طريق العودة إلى كوسوفا فآثر الذهاب إلى تركيا، حيث عمل سنة واحدة مترجما في السفارة المصرية بأنقرة، ثم استقال ليذهب إلى اسطنبول ويستقر فيها بعد حصوله على الجنسية التركية، حيث اشتهر بعدها باسمه الجديد الشيخ علي يعقوب جنكتشلر.
في "الفترة التركية" اشتهر الشيخ علي بدروسه في جامع "فاتح مسيح باشا" وبمحاضراته في التفسير والعقيدة في المركز الديني التابع لوقف الديانة التركية خلال 1997-1980، وبمؤلفاته في اللغة التركية.
وكان الشيخ علي قد بدأ نشاطه في الترجمة والتأليف في القاهرة، حيث ترجم من العربية إلى التركية كتاب محمد قطب "جاهلية القرن العشرين"، كما ترجم من التركية إلى العربية بعض قصائد الشاعر الإسلامي محمد عاكف.
وبعد سنوات مليئة بالنشاط أصيب الشيخ علي في 1983 بالشلل، الذي لم يمنعه من أداء الواجب، وتوفي في 22/5/1988 تاركا وراءه الكثير من تلاميذه ومريديه الذين يذكرونه بالخير دائما.