الإسلام في مرحلة الدعوة السرية

1 2307

في بيئة سادت فيها الوثنية بين القبائل العربية زمانا طويلا ، وتربى فيها أهلها على العصبية المقيتة والحمية الجاهلية ، وضاعت فيها معالم الديانات السماوية ، وانتكست فيها الفطر والمفاهيم حتى صار الباطل حقا ، والفضيلة رذيلة ، لم يكن أمام النبي - صلى الله عليه وسلم  - تجاه هذا الواقع سوى أن يؤجل الإعلان بدعوته على الملأ ، ويكتفي بدعوة من حوله سرا ، حتى لا يكون الصدام المباشر في أول الأمر سببا في فشل مهمته التي بعثه الله بها .

وكان من الطبيعي أن يبدأ - صلى الله عليه وسلم  - بعرض الإسلام على أهله وأقرب الناس إليه ، وفي مقدمتهم زوجته خديجة رضي الله عنها ، فكانت أول من آمن به على الإطلاق ، وأول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم النبي - صلى الله عليه وسلم  - ، وأول من وقف على شهادة أهل الكتاب بصدق نبوته من خلال عمها ورقة بن نوفل .

ثم عرض - صلى الله عليه وسلم  - الإسلام على ابن عمه علي بن أبي طالب ، فسارع إلى الإجابة على الرغم من صغر سنه ، ثم أسلم مولاه زيد بن حارثة ، وأسلمت بناته زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقية رضي الله عنهن ، وبذلك حاز بيت النبوة على شرف الأسبقية في الإسلام .

وبعد ذلك انتقل النبي - صلى الله عليه وسلم  - إلى دائرة أصحابه ومعارفه ، فدعا أبا بكر رضي الله عنه ، الذي لم يتردد لحظة في تصديقه والإيمان به ، وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - له هذا الفضل فقال : ( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ، وتردد ونظر ، إلا أبابكر ) رواه ابن إسحاق .

وكان في إسلام أبي بكر رضي الله عنه فاتحة خير على الإسلام ودعوته ، فقد كانت قريش تحبه لسعة علمه وحسن ضيافته ، ومكانته كرجل من كبار التجار الذين لهم ثقل في المجتمع المكي ، ولذلك استجاب له الكثير من الناس ، ومنهم : عثمان بن عفان ، و طلحة بن عبيد الله ، و الزبير بن العوام ، و سعد بن أبي وقاص ، و عبدالرحمن بن عوف ، و عثمان بن مظعون ، و أبو سلمة بن عبد الأسد ، و أبو عبيدة بن الجراح ، و الأرقم بن أبي الأرقم ، و خباب بن الأرت ، و عمار بن ياسر وأمه ، رضي الله عنهم أجمعين .

وسارع كل واحد من هؤلاء إلى دعوة من يطمئن إليه ويثق به ، فأسلم على أيديهم جماعة من الصحابة ، حتى وصل عدد الذين أسلموا في تلك الفترة - وفقا لمصادر السيرة - ما يزيد على الأربعين ما بين رجل وامرأة ، وهؤلاء هم السابقون الأولون الذين ذكرهم الله عزوجل في قوله : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } ( التوبة : 100 ) .

وقد يبدو هناك شيء من التعارض في الروايات التي تحدد أوائل من أسلم ، وهذا الاختلاف يرجع سببه إلى كتمان هؤلاء الصحابة خبر إسلامهم .

وبمراجعة أسماء أوائل من أسلم من الصحابة نلاحظ انتماءهم إلى قبائل من داخل قريش وخارجها ، فقد كانوا من "بني أمية وبني أسد وبني عبد الدار وبني جمح وبني زهرة ومذحج ودوس " وغيرها ، وفيه دلالة واضحة على معالم هذه الدعوة الجديدة ، وبعدها عن الدعوات العصبية الجاهلية ، ولو كانت كذلك لكان بنو هاشم قوم النبي - صلى الله عليه وسلم  - أوفر الناس حظا ، وأكثرهم أتباعا لهذه الدعوة الجديدة .

ومما يشار إليه هنا أيضا أن أغلب من أسلم في تلك الفترة كان من وجهاء قومه ومن أشرافهم، ولم يكن بينهم من الموالي سوى ثلاثة عشر رجلا ، مما يدل على أن دعوة الإسلام لم تكن مجرد ثورة على الأغنياء والوجهاء ، أو هروبا من حياة العبودية والفقر ، وإنما كانت رسالة قائمة على إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وعقيدة صافية تصحح علاقتهم مع خالقهم ، ومنهجا ربانيا ينظم حياتهم .

واستمر النبي - صلى الله عليه وسلم  - في هذه الدعوة السرية أكثر من ثلاث سنوات ، ظل فيها يعلم حقائق التوحيد ، ويغرس معاني الإيمان ومحاسن الأخلاق ، وتم اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم لهذه المهمة .

وفي هذه الفترة شرعت الصلاة ركعتين في الصباح ، وركعتين في المساء ، وذلك في قوله تعالى : { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } ( غافر : 55 ) ، وكان الصحابة يستخفون بصلاتهم في الوديان والشعاب لئلا يفتضح أمرهم .

واستمر الناس في الانضمام تحت لواء الدين الجديد حتى تكونت الجماعة الإسلامية الأولى واشتد عودها ، وحان الانتقال إلى مرحلة المواجهة والجهر بالدعوة ، بما قد تحمله من أذى وتعذيب وتضحيات ، وكانت البداية عند نزول قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين } ( الشعراء  :  214)

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة