- اسم الكاتب:د سلمان بن فهد العودة
- التصنيف:تاريخ و حضارة
شيء مضحك أن تتحدث عن النوم، هل فرغت ما في جعبتك حتى تحدثنا عن المنام والأحلام؟ فكأننا بحاجة إلى المزيد من النوم والتخدير؟!
سبحان الله، كم ساعة يقضيها المرء في النوم؟ حسب تقرير عامة الأطباء قديما وحديثا ؛ يقضي ما بين 6-8 ساعات نائما، أي نحوا من ثلث عمره، أما الصغير والكبير فيزيد كثيرا على ذلك،وهناك من يحتاج عشر ساعات، أو من تكفيه ثلاث ساعات بحسب تركيب الجسم والهمة!
وفي محكم التنزيل الامتنان بالنوم "وجعلنا نومكم سباتا"النبأ: 9، "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه" الأنفال: 11.
"الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس" غافر:61.
"الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" الزمر: 42.
في آيات كثيرة جاءت في سياق المنة على العباد، أو في سياق الحجة والقدرة بخلق النوم الذي يغشى العيون والألباب، ويغيب المرء عن وعيه وإدراكه؛ ليصحو بعده وقد زال عناؤه وتجدد نشاطه، وقد يرى في منامه من العجائب والغرائب ما لا يراه في اليقظة، والرؤيا هي عبرة أخرى، وآية كبرى، تدل على اللطيف الخبير.
سبحان الله! ألم يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى آداب النوم من الطهارة، والنوم على الجنب الأيمن، (أما استقبال القبلة فلم يثبت في السنة) والأدعية والأذكار المثبتة في دواوين السنة، حتى إنه -صلى الله عليه وسلم- أرشد عليا وفاطمة -رضي الله عنهما- إلى التسبيح ثلاثا وثلاثين، والتحميد ثلاثا وثلاثين، والتكبير أربعا وثلاثين، وأنها تزيل التعب، وتجدد النشاط "فهو خير لكما من خادم " كما في البخاري ومسلم.
وقد جربت كثيرا أن الانخراط في التسبيح مطردة للأرق، وهو خير مما يوصي به الأطباء من العدد، أو العد العكسي ( 100، 99، 98 ..)، كما يذكره الدكتور صبري القباني، وغيره.
نعم ! قد نسمى أحيانا بالعالم النائم، ولسنا نحتاج المزيد من النوم، لكن من الصحو أن نعطي النوم التقنيات والآداب والأسباب التي تجعله يفعل فينا فعله، ليمنحنا مكافأة على جهد قدمناه، أو تعب عانيناه، أو ضغوط ساورتنا!
إن التنكر للمعاني الفطرية مشكلة صعبة، فنحن جميعا ننام، وننام ملء جفوننا، حتى حين نصنع حدثا مدويا، على حد تعبير المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم.
لكننا نستنكف أن نقرأ عن النوم، أو نتكلم، أو نتذاكر؛ لأن هذا من الفضول، وما لا طائل تحته!
لحظات من الهدوء والاسترخاء، نحتاج إلى أن نتعود على إقصاء الهموم والغموم والضغوط، واستحضار الظرف والخفة والبساطة والعفوية، ولتكن لحظة مؤانسة مع زوج موافق، أو مداعبة لطفل غرير، أو مباسطة وحديث هامس مع صاحب عزيز، محفوفة بالذكر والتسبيح والاستغفار، عشرا، أو مائة، أو ألفا، وفرصة لتصفية الداخل وتطهيره وإعادة غسل القلب بماء الصفاء والتسامح، بدلا من استذكار العديد من الآلام والمنغصات والمواقف المؤلمة، الدالة على عدوانية الآخرين وشرهم، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، وكأني أنام على حسك الكراهية والبغضاء، وأصبح عليها.
علي أن أستذكر قبل نومتي النجاح والإنجاز، والموقف الإيجابي الجميل، والوعد الصادق، والأمل الذي يلوح لي بمستقبل أفضل، وعلي أن أستذكر حاجتي إلى أن يسامحني الآخرون؛ فلأسامحهم إذن ما دمت خطاء، وهم كذلك، ولأصعد من سويداء قلبي دعوات صادقات لأصدقائي، ومعارفي وقرابتي، ولأعدائي وخصومي، الذين نذروا أنفسهم لحربي؛ أن ينقذهم الله من شر نفوسهم، وأن يرشدهم لما هو خير لهم، والملك معك حينئذ يتقلب في فراشك حيث ذكرت الله، ويؤمن على دعائك للآخرين، ويقول: ولك بمثل!
نوما هنيئا، وأحلاما وردية، وصحوا عل الأمل الجميل
__________
الوطن القطرية