استجيبوا لربكم

2 1384

القرآن الكريم كتاب دعوة إلى طريق الحق، وكتاب هداية إلى سبيل الرشاد، وهو في الوقت نفسه كتاب إنذار للظالمين كي يعودوا إلى رشدهم، ورسالة تنبيه للغافلين كي ينتبهوا من غفلتهم. وقد تطرق القرآن الكريم في العديد من آياته لكل جانب من هذه الجوانب.

في جانب تنبيه الغافلين نقرأ قوله تعالى: {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير} (الشورى:47).

هذه الآية الكريمة وردت عقيب آيات تتحدث عن أهوال يوم القيامة، وما يلاقيه الناس في ذلك اليوم من أمور عظام، تشيب من هولها الولدان، و{تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} (الحج:2)، فقد جاءت هذه الآية في سياق قوله تعالى: {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل * وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم * وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل} (الشورى:44-46).

فقوله تعالى: {استجيبوا لربكم} دعوة من الله لعباده إلى لزوم ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه. وهو طلب من الله لعباده يومئ بالإشفاق عليهم من عدم التزامهم شرعه سبحانه، والتنكب عن أوامره. وهو طلب يومئ أيضا بالخوف على العباد من أن تغرهم الحياة الدنيا، التي هي دار غرور وعبور، وتبعدهم عن الآخرة، التي هي المرجع الأبدي والمآب السرمدي.  

وقوله سبحانه: {يوم لا مرد له} هذا اليوم هو يوم القيامة، وهو يوم لا شك في مجيئه ووقوعه، ولا مناص ولا مهرب من وقوف الناس فيه، لا فرق فيه بين غني وفقير، ولا بين قوي وضعيف، ولا بين أبيض وأسود، فالكل فيه في موقف رهيب، ينتظر جزاء عمله، ويترقب خاتمة مصيره.

وقوله عز وجل: {ما لكم من ملجإ}، الملجأ: هو المكان الذي يصير إليه المرء للتوقي فيه من خطر محدق، ويطلق مجازا على الناصر، وهو المراد في الآية، والمعنى: ما لكم من شيء يقيكم من العذاب، بل هو واقع بكل من أعرض عن شرع ربه، ونازل بكل من نأى بنفسه عن أمر الله.

وقوله تعالى: {وما لكم من نكير}، أي: ما لكم إنكار لما جوزيتم به، ولا يسعكم إلا الاعتراف دون تهرب. ويتجه أيضا أن يكون المراد: لا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه من الأعمال.

والمعنى المجمل لهذه الآية، أنه سبحانه يطلب من عباده أن يجيبوا داعي الله، ويؤمنوا به، ويتبعوه فيما جاء به، من قبل أن يأتي يوم لا مرد لمجيئه، وذلك يوم القيامة، ذلك اليوم الذي لا احتراز منه ولا مفر، كما قال سبحانه: {يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر} (القيامة:10-12)، فلا عاصم لأحد مما هو واقع من عذاب الله على كل كاذب كفار، ولا دافع لما هو نازل على كل مسرف مرتاب، بل كل مشغول بما هو فيه.

فالموفق كل التوفيق من لبى دعوة الله، ولزم شرعه، وجعل الآخرة وجهته، والخاسر غاية الخسران من غفل عن دعوة ربه، وأعرض عن شرعه ونهجه، وجعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ولم يستعد لذلك اليوم، حتى إذا ما أصبح واقعا محققا، علم أن الله حق، وندم على ما قدمت يداه، ولات ساعة مندم، كما قال سبحانه: {فنادوا ولات حين مناص} (ص:3)، فليس في ذلك الحين فرار من العذاب، ولا هرب مما هو واقع، وقد حقت كلمة العذاب على الكافرين والظالمين، ولا توبة تنفع أحدا في ذلك الحين، قال تعالى: {قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها} (المؤمنون: 99-100).

وبعد، فحري بالمسلم - في غمار هذه الحياة ومجرياتها - أن يستحضر هذه الآية على الدوام، وأن يتأمل ذلك اليوم الموعود، ويعد له العدة المطلوبة، ويتأهب له غاية التأهب، فمن عمل لذلك فقد فاز فوزا عظيما، ومن أعرض عنه فقد ضل ضلالا بعيدا، وليتذكر قوله سبحانه: {إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين} (الأنعام:134).  

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة