- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) "رواه البخاري .
وفي رواية للبيهقي : ( الحمد لله الذى أنقذه بى من النار) .
تفاصيل الموقف
كان غلاما يهوديا من عامة أهل المدينة، دفعته الحاجة إلى البحث عن مصدر رزق يعين به أهل بيته، فاختار أن يعمل خادما في بيوت يثرب وأحيائها، يقضي الحوائج، ويعين في الأعمال، راضيا بما يحصل عليه من زهيد الأجر.
وينتهي المطاف بالفتى في بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ليعيش في كنفه ويتفيأ من ظلاله، فأبصر نموذجا لم يعهده من الأخلاق السامية والخصال الفاضلة، إذ لم يسبق له أن رأى سيدا لا يضرب خادمه ولا يعنفه، ولكن يحسن إليه ويلاطفه، بل ويزيد على ذلك بأن يطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، فلا عجب أن شغف الفتى بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وأحبه عن قرب.
وتمر الأيام كالشهد المصفى على قلب الفتى اليافع، وهو في ذلك حريص على نقل مشاهداته إلى والده، فيسرد له من أخباره عليه الصلاة والسلام وعاطر سيرته، ويسر الأب بما يلاقيه ولده من كريم المعاملة وطيب المعشر ، وتقع في نفسه أبلغ موقع.
حتى أتى ذلك اليوم الذي افتقد فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- خادمه اليهودي، ولما سأل عنه جاءه الخبر بأن الفتى طريح الفراش يصارع سكرات الموت، فيهرع عليه الصلاة والسلام لزيارته، وهو يخشى أن يكون قدومه قد جاء بعد فوات الأوان.
دخل النبي –صلى الله عليه وسلم- على الفتى، وجلس عند رأسه، متأملا في ملامحه المرهقة وجسده المتعب الذي أنهكه المرض، فقال له : (أسلم) ، يريده أن ينطق بكلمة التوحيد، وأن يدخل في حياض الدين، حتى يكتب من الفائزين.
والفتى منذ أن رأى أخلاق النبوة قد شرح الله صدره للإسلام، لكنه كان يخشى في الوقت ذاته من رفض والده أن يذعن للحق، فجعل يلتفت إليه تارة، وإلى النبي –صلى الله عليه وسلم- تارة أخرى.
وظل الفتى يرقب شفتي والده، وهو لا يدري ماذا سيكون جوابه، وينطق الأب أخيرا : " أطع أبا القاسم"، فيسرع الفتى بالنطق بالشهادتين، ومع آخر ألفاظها خرجت روحه الطاهرة إلى بارئها.
لقد تم المقصود، وحصل المأمول، وخلع الفتى رداء اليهودية الباطلة، وأبدله بأثواب الحق والهدى، ويخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- والبشر ظاهر على قسمات وجهه، ولسانه لم يفتر عن حمد الله عز وجل على هذه النعمة : (الحمد لله الذي أنقذه من النار) .
إضاءات حول الموقف
دلالات الموقف الذي بين يدينا عظيمة، تنطق بالرحمة والشفقة، والتواضع ولين الجانب، والإحسان إلى الآخرين، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- لو لم يعامل الفتى اليهودي بهذا القدر من الرقة والعذوبة –كما هو شأنه مع جميع الناس- ما استمال قلبه إلى الإسلام، وفي ذلك درس بليغ للمسلمين كافة في أهمية المعاملة والقدوة الحسنة وأثرها في قلوب المدعوين.
ويستوقفنا معنى آخر، وهو الرغبة الكاملة والحرص الأكيد على هداية ذلك الفتى ودعوته إلى الإسلام، بالرغم من كونه على شفير الحياة الآخرة، إنها الرحمة تتجلى في أسمى معانيها وأروع صورها.
ووقفة ثالثة مع قول والد الفتى : " أطع أبا القاسم"، إذ يدل على أن اليهود ما كان يخفى عليهم أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا نبوته، ولكنهم جحدوا الحق واستكبروا عنه، قال الله تعالى :{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} (البقرة:146)، وقال تعالى :{ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} (البقرة:89).
ويبقى في الموقف جملة أخرى من المعاني والفوائد، منها: جواز استخدام المشرك كخادم أو عامل أو نحوهما، واستحباب عيادته إذا مرض مع استصحاب نية دعوته وترغيبه بالإسلام، وبيان أن المريض يكون في أرجى حالاته لتقبل الحق والانقياد له، وهو الأمر الذي ينبغي للدعاة أن يحسنوا استغلاله، ويدل كذلك على أن إضافة النجاح والفلاح للأسباب لا ينافي عقيدة التوحيد؛ لأن الأمور كلها من ترتيب الله تعالى، يدل عليه ما جاء في الراوية الأخرى: ( الحمد لله الذى أنقذه بى من النار) .