- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
أمي تكرهني.. تفضل إخوتي علي.. كلما أقول كلاما تقول عكسه.. تستفزني في كل موقف.. تحرمني من أدق الأشياء إلى عظيمها.. منبوذة في البيت منذ سنوات.. وكل يوم تغرز مخالب القسوة في أعماق قلبي أكثر.. كأنني لست ابنتها! حطمتني!”
كثرت في الآونة الأخيرة الاستشارات التي تصلنا ويكون موضوعها شعور الفتاة بكره أمها لها.. ولا أدري حقيقة هل هناك مبالغة في وصف الفتاة للوضع أم المبالغة هي في قسوة الأم على ابنتها وحرمانها من المشاعر الفياضة التي تحلم كل بنت أن تجمعها بوالدتها لتستقر عاطفيا ونفسيا..
ولعل هذه الظاهرة أصبحت ملفتة في مجتمعاتنا مع خطورتها.. فحري بفتاة فقدت الحنان في البيت أن تفتش عنه في مكان آخر وقد يكون –لا قدر الله- حضن ذئب ينهش طهارتها فلا تصحو إلا بعد فوات الأوان.. أو صحبة سوء أو شبكة رقمية تهرب إليها من عالم حرمها الحنان.. فمن المسؤول الأول حينها عن هذا الهروب؟!
فيا أيتها الأم التي انشغلت عن ابنتها وعن تأمين الملاذ النفسي والروحي الصحي لها.. وقست وتجاهلت وأدارت ظهرها في حين كان من الواجب أن تساند وتعطف وتحنو.. ألا تخشين على ابنتك من عقد نفسية أو من خروج من عباءتك إلى دهليز مظلم بارد تفتش فيه عن تأمين احتياجاتها النفسية؟
هل تعلمين أيتها الأم أنه قد أجريت دراسة نشرت في مجلة الأسرة -العدد 142- والتي أكدت أن الإناث في المجتمع قد يقعن تحت ضغوط أسرية من الوالدين ما يعيق استقرارهن الاجتماعي ويشعرن بالحرمان العاطفي.. وأنه حين تجد الفتاة نفسها في هذا المناخ الأسري الرديء حيث تشعر بالحرمان العاطفي، قد تضطر إلى أن تبتكر وسائل غير مشروعة للبحث عن الحب والحنان كأن ترتكب أفعالا محرمة تحقق ذاتها وتعوض الفشل العاطفي الذي واجهته في حياتها الأسرية!.
وهل تعلمين أنه نشر في الدراسات والبحوث الجنائية أن أحد أهم عوامل الجنوح إلى الجريمة هو النقص الحاد في التغذية العاطفية للجاني؟!. فالأبناء لا بد أن يتأثروا بهذه الأجواء القاتمة التي تعلو العلاقة بينهم وبين أهليهم ما ينعكس سلبا على سلوكهم الاجتماعي أو أخلاقهم أو أدائهم الدراسي.. ولربما ساقهم الرفض إلى الجحود وعصيان الأوامر وعدم البر انتقاما لأنفسهم بسبب عدم تأمين الأهل لهم الراحة والأمن والاستقرار والحب حين كانوا في كنف الأسرة..
فهل ترغبين أن تصلي مع ابنتك إلى مثل هذا؟ فإن كان إعراضك عن ابنتك انشغالا عنها بأمور مهمة أو غير مهمة فإن ابنتك يجب أن تكون ضمن أولى أولوياتك.. وإن كنت تفضلين فعلا إخوانها عليها فلا تشعريها بذلك واعدلي بين أبنائك وبناتك جميعا فأنت مسؤولة أمام الله تعالى عن رعايتك لهم.. وإن كنت متضايقة منها لسبب ما فحاولي تجاوز المشاعر السلبية تجاهها واكرهي الفعل ولا تكرهي الشخص! حاوريها ووجهيها إلى الصواب ولا تجعليها تتخبط بشعورها أنها منبوذة وأنكم لها كارهون فهذا يفقدها تقديرها لذاتها ويسحبها إلى عوالم أخرى لن تستطيعون انتشالها منها فيما بعد!
وأنت أيتها الفتاة.. لا أدري كيف تخيلت أن أمك تكرهك! الأم لا تكره وإن قست!.. بل ربما هي مقصرة وكلنا بشر نخطئ ونصيب.. أو ربما هي ممتعضة من أمر ما فأساءت التعبير أو ربما أنها لا تستطيع أن تعبر بشكل سليم عما يختلج صدرها فلا تحاسبيها على ما لا تملك..
لا تجعلي الأفكار السلبية تسيطر على تفكيرك.. فأمك وإن فضلت أحد إخوتك عليك فلا يعني هذا أنها تكرهك.. وقد يجعلك هذا الشعور تقرأين محبتها واهتمامها بهم استفزازا وكرها لك..
وإن عاندتك أو خالفتك في الرأي فهل هذا دليل على كرهها لك؟ إياك أن تستسلمي لهذه الأفكار والأحاسيس التي ترديك وتبعدك عن أهلك..
وإن كان هناك ما قصرت به أو ما قمت به وجعل والدتك تبعد عنك بسببه فماذا فعلت لتخطبي ودها ولتغيري نظرتها لك وتتقربي منها؟ قد يكون أمر ما فعلتيه أفقدتها الثقة بك أو ربما زعزع الصورة التي رسمتها لك لسنين فقد أرادتك مطيعة ملتزمة خلوقة.. وربما قلب هذا الفعل كل شيء في كيانها.. فهل سعيت سعيك لإعادة أسس هذه الثقة بينكما؟ هل تذللت لها وخضعت لرغباتها وأنت مأمورة بخفض جناح الذل لها وطاعتها وبرها مهما كانت الظروف وهذا أمر رباني لا نقاش فيه؟!
هل جلست معها جلسة مصارحة وناقشتيها بهدوء وروية عن أحاسيسك هذه وسألتيها لم تكرهك ثم دعيها هي من تقرر كيف تردم الهوة بينك وبينها؟! هل أخبرتيها أنك تريدين أن تتقربي منها؟ هل تعتقدين أنك لو صارحتيها بحبك لها وحاجتك لوجودها إلى جانبك في الحياة فإنها ستتكابر وترفض ولن يلين قلبها لك؟! هل حاولت تقبيل يدها والتودد لها؟ هل قمت بمساعدتها في شؤون البيت وحرصت أن تكوني بين يديها حين تكون في حاجتك؟ هل أحضرت لها هدية تحبها أو شاركتيها في هواية تعجبها؟
حاولي تغيير الصورة الذهنية التي انطبعت في رأسك عن أمك وجعلتك تفرين منها لأنها “تكرهك”! واعلمي أنك مأمورة بطاعتها وبرها ولو كانت كافرة إلا أن تأمرك بمعصية!
وإن كان المسلم مأمورا بصلة الرحم فهو مأمور ببر الوالدين قبل ذلك.. قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: “أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته” هذا في الرحم فكيف بالأم التي كانت سببا في وجودك بعد الله جل وعلا؟!.. وحين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: الصلاة على وقتها قالوا ثم أي؟ قال: بر الوالدين.. وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).
وانظري إلى الجانب الملآن من الكوب.. فما حرمت منه مع أمك ستحرصين في المستقبل على تأمينه لأطفالك وستكونين أما رائعة ولا بد.. والله جل وعلا قادر على أن يقلب القلوب فالدعاء خير دواء وإن مع الصبر الفرج..
إن لكل إنسان باب يوغل منه الآخرون.. فليفتش كل منا عن مفتاح قلب من يعيل ومن يحب.. فالدنيا أقصر وأحقر من أن نقضيها في مشاحنات وضغوط وألم.. والإسلام وضع بين أيدينا علاجا لكل معضلة إن أخذنا به ابتداءا كان وقاية لنا من كل هم.. ولا بأس أن نعود إلى تعاليمه إن شتتنا عنها ذات غفلة.. وفي الإياب كل خير للنفس وللأسرة وللمجتمع على حد سواء..