قطوف من الصفات الخَلقية والخُلقية للحبيب صلى الله عليه وسلم

2 1228

اصطفى الله سبحانه نبيه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وفضله على العالمين، وفطره على صفات عظيمة، ظهرت على سلوكه القويم، وعلى بدنه الشريف، وجوارحه الطاهرة،حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملكت هيبته العدو والصديق، وكان من أثره أن القلوب فاضت بحبه، والرجال تفانوا في إكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه، لما رأوا من جمال خلقه وكمال خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولم يبالوا أن تقطع أعناقهم ولا يخدش له ظفر..   

قطوف من الصفات الخلقية لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
 
عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة إضحيان (مضيئة مقمرة) وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر)(الترمذي)..
ولقد سئل جابر : أكان وجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل السيف؟ قال: ( لا ، كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا )(البخاري)..
  
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ متوسط القامة ، لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين، كما أخبر بذلك البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ، قال: ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مربوعا -متوسط القامة-، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه..)(البخاري).
 
 وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبيض اللون، لين الكف، طيب الرائحة، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ)(مسلم) .
 
وكانت أم سليم ـ رضي الله عنها ـ تجمع عرقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يقول أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( دخل علينا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال - أي نام نومة القيلولة - عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت - تجمع- العرق فيها، فاستيقظ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب )(مسلم).
 
وكان بصاقه وريقه طيبا طاهرا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعن عبد الجبار بن وائل قال: حدثني أهلي عن أبي قال: ( أتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مج في الدلو، ثم صب، في البئر، أو شرب من الدلو، ثم مج في البئر، ففاح منها مثل ريح المسك )(أحمد) .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ كث اللحية، كما وصفه جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ بقوله: ( وكان كثير شعر اللحية ) (مسلم)..
 
وبالجملة فرسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أحسن الناس وأجمل الناس، لم يصفه واصف قط إلا شبهه بالقمر ليلة البدر، ولقد كان يقول قائلهم: لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو أحسن في أعيننا من القمر. فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وجها ، وأنورهم لونا، يتلألأ تلألؤ الكوكب، ولقد وصفه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فقال:
 
             أمين مصطفى للخير يدعو      كضوء البدر زايله الظلام
 
تلك بعض قطوف من صفات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخلقية التي نقلت إلينا ممن رآه وصاحبه، وصدق الصديق أبو بكر ـ عندما قال عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقبله بعد موته: ( طبت حيا وميتا يا رسول الله )(البخاري).
 
قطوف من الصفات الخلقية للمصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
 
هي أكثر من أن تحصى، وكيف تحصى أخلاق من زكاه ربه وقال عنه :{ وإنك لعلى خلق عظيم }(القلم:4).. ومن هذه القطوف :  
 أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، فقد أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، فهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( أوتيت جوامع الكلم )(أحمد) .
 
 وكان الحلم والاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفات أدبه الله بها.. وكل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما خير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه في شيء قط, إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله )(البخاري) .
 
وكان من صفته الجود والكرم، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، قال عبد الله بن عباس : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود بالخير من الريح المرسلة )(البخاري).. ، وقال جابر : ( ما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا قط فقال : لا )(مسلم).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لا يجهل، كان أشجع الناس، حضر المواقف الصعبة، وفر عنه الأبطال غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، قال علي ـ رضي الله عنه ـ: ( كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه )(أحمد). 
ومع شجاعته - صلى الله عليه وسلم - ( كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئا عرف في وجهه )(أحمد).
وكان لا يسمي رجلا بلغ عنه شيء يكرهه، حتى لا يسبب له حرجا، بل يقول : ( ما بال أقوام يصنعون كذا )(أبو داود) .
وكان أعدل الناس وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلك أصحابه وأعداؤه، وكان يسمي قبل نبوته " الصادق الأمين "، ويتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام، وسأل هرقل أبا سفيان ـ قبل إسلامه ـ، هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟، قال : لا .
 
          شهد الأنام بفضله حتى العدا       والفضل ما شهدت به الأعداء
 
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر، و نهى عن القيام له كما يقام للملوك.. يجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم .
وكان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس.. أحسن الناس عشرة وأدبا، وأبعدهم من سيء الأخلاق، لم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا لعانا ولا صخابا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ..
 
لا يترفع على عبيده وإمائه، ولم يقل لخادمه أف قط، ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه، وكان يحب المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ويتفقد أصحابه، ويحسن الحسن وينصح به، ويقبح القبيح وينهى عنه.
 
 وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله، ولا يوطن الأماكن ـ لا يميز لنفسه مكانا ـ، إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو كلمه لحاجة صبر عليه حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بكلمة طيبة، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، يتفاضلون عنده بالتقوى ..
 
مجلسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تخدش فيه الحرمات .. إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون له، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرا له، واقتداء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
 
وبالجملة، فقد كان الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ محلى بمكارم الأخلاق، أدبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنيا عليه فقال: { وإنك لعلى خلق عظيم }(القلم : 4)، وكانت هذه الصفات الخلقية والخلقية، مما قرب إليه النفوس، وحببه إلى القلوب، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فطري، فكيف بمن جمع الله له الجمال خلقا وخلقا؟..
 
إن هذه القطوف ما هي إلا شذرات، من عظيم صفات أفضل رسول، وأعظم بشر في الوجود
              
               فمبلغ العلم فيه أنه بشر      وأنه خير خلق الله كلهم
 
فينبغي علينا أن نقوي صلتنا وصلة أبنائنا، برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأن نعمق حبه في قلوبنا، من خلال التأمل في حياته وسيرته، وأخلاقه وشمائله، والسير على هديه، والتمسك بسنته، والإكثار من الصلاة والسلام عليه ...
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة